أنه لما خرج من القصر الإمبراطوري … واقترب من العمود السماقي المقام في سوق قسطنطين، تملكه الرعب، وأصيب بإسهال شديد … خرجت فيه أمعاؤه من بطنه، وأعقبه نزيف حاد، ونزلت أمعؤه الدقاق. ومما زاد الطين بلة أن طحاله وكبده قد انفصلا من جدة النزيف ومات لساعته (١٠) ".
ولما بلغ هذا التطهير العاجل مسامع قسطنطين بدأ يسأل نفسه: ألم يكن أريوس في واقع الأمر كافراً زنديقاً؟ لكنه لما مات في السنة التالية تلقى مراسيم التعميد على يد صديقه ومشيره يوسبيوس أسقف نقوميديا، وهو من أتباع أريوس نفسه.
وعني قسطنطين بشؤون الدين عناية أكثر جدية من عناية أبيه، فشرع يبحث بنفسه أبوة المسيح، وخرج من هذا البحث باعتناق مذهب أريوس، وشعر بأن واجبه الأدبي يحتم عليه أن يعرض هذه الآراء على جميع العالم المسيحي. وطرد أثناسيوس من كرسي الإسكندرية مرة أخرى (٣٣٩)، وكان قد عاد إليه بعد موت قسطنطين. ودعيت مجالس الكنائس تحت إشراف الإمبراطور الجديد، وأيدت تشابه المسيح والأب دون اتحادهما في المادة. وأخرج الكهنة الذين استمسكوا بعقائد مجمع نيقية من كنائسهم، وكان الغوغاء في بعض الأحيان هم الذين يخرجونهم منها، وأتى على المسيحية نصف قرن من الزمان لاح فيه أنها ستؤمن بالتوحيد وتتخلى عن عقيدة ألوهية المسيح. وكان أثناسيوس في هذه الأيام العصيبة يقول عن نفسه أنه يقف وحده في وجه العالم كله، فقد كانت جميع قوى الدولة تقاومه، بل إن أتباع كنيسة الإسكندرية خرجوا عليه واضطر في خمس مرات مختلفة أن يفر من كرسيه معرضاً حياته في معظمها لأشد الأخطار، وأن يهيم على وجهه في البلاد الأجنبية. وظل خمسين عاماً (٣٢٣ - ٣٧٣) صابراً يكافح ويدافع عن عقيدته كما حددها مجمع نيقية بزعامته، مستعيناً على ذلك بمهارة الدبلوماسي وعنف الرجل البليغ، ولم تلن له قناة حتى بعد أن ضعف البابا