ليبريوس واستسلم. وإليه يرجع معظم الفضل في استمساك الكنيسة بعقيدة الثالوث.
وعرض أثناسيوس قضيته على البابا يوليوس الأول (٣٤٠)، فرده يوليوس إلى كرسيه، ولكن مجمع من أساقفة الشرق عقد في أنطاكية (٣٩١)، وأنكر على البابا حقه في هذا الحكم، ورشح جريجوري، وهو رجل من أتباع أريوس، أسقفاً لكرسي الإسكندرية. لكن جريجوري لم يكد يصل إلى تلك المدينة حتى أثارت أحزابها المتنافسة فتنة صماء قتل فيها عدد كبير من الأهلين، واضطر أثناسيوس على أثرها إلى التخلي عن كرسيه حقناً للدماء (٣٤٢)(١١). وثارت في القسطنطينية فتنة أخرى من نوعها، كان سببها أن قسطنطيوس أمر أن يستبدل ببولس، الرجل الوطني المستمسك بالدين القويم، مقدونيوس الأريوسي، فهب جماعة من مؤيدي بولس يقاومون جند الإمبراطور، وقتل في الاضطرابات التي أعقبت هذه المقاومة ثلاثة آلاف شخص، وأغلب الظن أن الذين قتلوا من المسيحيين بأيدي المسيحيين في هذين العامين (٣٤٢ - ٣٤٣) يزيد عددهم على من قتلوا بسبب اضطهاد الوثنيين للمسيحيين في تاريخ روما كله. واختلف المسيحيون وقتئذ في كل نقطة عدا نقطة واحدة، هي أنه يجب إغلاق الهياكل الوثنية، ومصادرة أملاكها، واستخدام أسلحة الدولة التي كانت توجه من قبل لقتال المسيحية في قتال هذه المعابد وقتال من يتعبدون فيها (١٢). وكان قسطنطين قد قاوم القرابين والاحتفالات الوثنية وإن لم يكن قد حرمها تحريماً باتاً؛ فلما جاء قنسطانس حرمها وأنذر من يعصى أمره بالموت؛ ثم جاء قنسطنطيوس فأمر بإغلاق جميع الهياكل الوثنية في الدولة، ومنع جميع الطقوس الوثنية، وأنذر من يعصى أمره بقتله ومصادرة أملاكه، كما فرض هاتين العقوبتين بعينهما على حكام الولايات الذين يهملون تنفيذ هذا الأمر (١٣)، ومع هذا كله فقد بقيت جزائر وثئبة متفرقة في بحر المسيحية الآخذ في الاتساع، فكان في المدن القديمة -أثينة، وأنطاكية، وأزمير، والإسكندرية