وروما- وبخاصة بين الأشراف وفي المدارس طوائف كبيرة من الوثنيين متفرقين في أحيائها المختلفة. وظلت الألعاب تقام في أولمبيا إلى أيام ثيودوسيوس الأول (٣٧٩ - ٣٩٥)، والطقوس الخفية يحتفل بها في إلوسيس: حتى جاء ألريك فهدم هيكلها في عام ٣٩٦؛ ولم تنقطع مدارس أثينة عن إذاعة تعاليم أفلاطون، وأرسطو، وزينون، وإن فسرتها تفسيرات تلطف من وثنيتهم. (أما تعاليم أبيقور فقد حرمت وأصبح اسم هذا الفيلسوف مرادفاً للكفر). وظل قسطنطين وولده يؤديان ما كان مقرراً من رواتب لرؤساء المدارس الفلسفية وأساتذتها الذين يكونون ما يمكن أن نسميه ببعض التساهل جامعة أثينة؛ كما ظل المحامون والخطباء يهرعون إلى تلك المدينة ليتعلموا فيها أساليب الخطابة وحيلها؛ وكان السفسطائيون الوثنيون -أو معلمو الحكمة- يعرضون بضاعتهم على كل من يستطيع شرائها. وكانت أثينة كلها مولعة ومعجبة ببروهيرسيوس Prohaeresius، الذي جاء شاباً فقيراً، واشترك مع طالب آخر في فراشه وردائه، ومازال يرتقي حتى شغل كرسي البلاغة الرسمي، واحتفظ حتى سن السابعة والثمانين بوسامته، وقوته، وفصاحته، احتفاظاً جعل تلميذه يونبيوس يرى أنه "إله لا يهرم ولا يموت"(١٤).
ولكن حامل لواء السوفسطائيين في القرن الرابع هو ليبانيوس Libanius وكان مولده في أنطاكية عام ٣١٤؛ ولكنه انتزع نفسه من أمه المولعة به، ووفد إلى أثينة للتعلم والدرس، ولما عرض عليه في بلده أن يتزوج من وارثة غنية إذا بقي فيها قال إنه يرفض الزواج من إلهة إذا حال بينه وبين رؤية دخان أثينة (١٥). ولم يكن يرى أن معلميه في هذه المدينة أنبياء ملهمون بل كان يراهم مجرد منبهين إياه للتأمل والتفكير، ولهذا فقد علم هو نفسه وسط متاهة من الأساتذة والمدارس. وبعد أن ظل يحاضر وقتاً في القسطنطينية ونقوميديا عاد إلى أنطاكية (٣٥٤)، وأقام فيها مدرسة ظلت مدى أربعين عاماً أشهر مدارس الإمبراطورية وأكثرها طلاباً. وقد بلغ من الشهرة (كما يؤكد لنا هو نفسه) حداً جعل الناس يتغنون بالفقرات الأولى من تعاليمه (١٦). وكان من بين تلاميذه أمياتس مرسلينس