أعداء النبي وآخر من آمنوا بهِ، وروعهم فساد أخلاق الخلفاء الأمويين، ولعلهم قد روعهم كذلك تساهلهم الديني، وكانوا يدعون الله أن يرسل من قبله من ينقذهم من هذا الحكم المذل.
ولم يكن ينقص هذه القوى المعادية إلا شخصية قوية مبدعة توجد صفوفها وتنطقها بمطالبها. وقيض لها هذا الزعيم في شخص أبي العباس السفاح حفيد أحد أعمام النبي، فتولى قيادتها من مكمن لها في فلسطين، ونظم الثورة في الولايات واستمال إليه الوطنيين الشيعة في بلاد الفرس فأيدوه أشد التأييد، حتى إذا كان عام ٧٤٩ نادى بنفسه خليفة في الكوفة. والتقى جيش مروان الثاني بالثوار يقودهم عبد الله عم العباس على نهر الزاب، فهُزم مروان وجيوشه، وبعد عام من هزيمته استسلمت دمشق بعد أن ضُرب عليها الحصار، ثم قُبض بعدئذ على مروان وقُتل وحُمل رأسه إلى أبي العباس، ولكن الخليفة الجديد لم يكتفِ بهذا، وقال:
"لو يشربون دمي لم يروِ شاربهم ولا دماؤهم للغيظ ترويني"
وسمي أبو العباس بالسفاح أي سفاك الدماء لأنه أمر بأن يطارد أمراء بني أمية ويقتلوا أينما وجدوا، ليقضي بذلك على ما عسى أن يقوم به أفراد الأسرة الساقطة من فتن. ونفذ عبد الله، الذي عُين والياً على الشام، هذا الأمر، في يسر وسرعة، فأعلن عفواً عاماً عن الأمويين، وأكده لهم بدعوة ثمانين من زعمائهم إلى وليمة. وبينما هم على الطعام إذا أشار إلى جنودهِ في مخبئهم، فخرجوا عليهم ورموا رؤوسهم بالسيوف، ثم فرشت الطنافس فوق جثث القتلى، واستمرت المأدبة. واستبدل بزعماء الأمويين رجال من العباسيين جلسوا فوق جثث أعدائهم، يشنفون أسماعهم بأنين الموتى. وأخرجت جثث بعض الموتى من خلفاء بني أمية، وسيطت هياكلهم العظمية التي كادت أن تكون عارية من اللحم، وشنقت وحرقت، وذُرَ رمادها في الريح (١٥).