أجزائه الأولى في هذه الأيام إلا عمده الكورنثية التي أنقذها العرب بحكمتهم من الخرائب الرومانية والبيزنطية. ولا يزال مسجد ابن طولون محتفظاً بشكلهِ الأصلي ونقوشهِ الأولى، ويحيط بصحنهِ الواسع سور ذو شرفات، وفي داخلهِ عقود مستدقة (غير مستديرة) هي أقدم ما يوجد من نوعها في مصر، إذا استثنينا عقد مقياس النيل بالروضة (٨٦٥) - وهو بناء مقام على جزيرة الروضة بالقاهرة يقاس به ارتفاع ماء النهر. وربما كان هذا الطراز الرشيق من العقود قد اتنقل من مصر إلى أوربا القوطية عن طريق صقلية والنورمان (١٤). وفي مئذنة المسجد (ذات السلم الخارجي) والشبيهة بصروح الزجروات البابلية، وفي القبة المقامة فوق قبر ابن طولون، عقود على شكل حذاء الفرس، وهي إحدى المظاهر الإسلامية التي لا ترتاح إليها العين كما ترتاح إلى غيرها من مظاهر الفن الإسلامي. ويروى أن أحمد بن طولون أراد أن يرفع العقود على ثلاثمائة عمود، فلما علم أن هذه العمد لا يمكن الحصول عليها إلا إذا انتزعت من العمائر الرومانية والمسيحية، قرر أن يقيم هذه العقود بدلاً من هذا على عمد ضخمة من الآجر (١٥)، وربما كان هذا الطراز من العمد قد أوحى هو الآخر بعنصر من عناصر الطراز القوطي. وآخر ما نذكره من خصائص هذا المسجد أن بعض نوافذه قد ملئت بالزجاج الملون، وبعضها بالشبابيك الجصية (١) على شكل ورود أو نجوم أو غيرها من الأشكال الهندسية، وهذه الأشكال ترجع إلى تاريخ غير معروف على وجه التحقيق.
وفي ٩٧٠ - ٩٧٢ أنشأ الجامع الأزهر جوهر الصقلي-وهو عبد مسيحي اعتنق الإسلام وكان القائد الذي فتح مصر للفاطميين. ولا تزال بعض الأجزاء الأصلية من هذا المسجد في مكانها؛ وفيه أيضاً نجد العقود المستدقة على ٣٨٠ عموداً من الرخام، والجرانيت، والرخام السماقي. وقد شيد جامع الحاكم بأمر الله
(١) ذات شبكة من الأصابع المصنوعة من الجص. (المترجم)