أن هبطت قيمة العملة، وتضخمت الاسعار، وانطلق سباق شرس بين الأجور والأسعار لم يفد منع غير الرأسماليين العليمين ببواطن الأمور والمنشغلين بالمضاربات. وحاولت الحكومة عام ١٥٦٧ وعام ١٥٧٧ أن تسن القوانين لتحديد أقصى الأسعار والأجور، ولكن التزاحم الاقتصادي طغى على القوانين (٢)، واستشرى التضخم، ربما باعتباره طريقة غير دينية لدفع نفقات الحروب الدينية. أما المنظمة الغنية الوحيدة في الدولة فكانت الكنيسة الكاثوليكية التي انضوى تحت لوائها ٩٤. ٠٠٠ من رجال الدين (في عام ١٦٠٠)، و ٨٠. ٠٠٠ راهبة، و ٧٠. ٠٠٠ راهب أو أخ، و ٢. ٥٠٠ يسوعي، وملكت الكاتدرائيات المهيبة، والأسقفيات الفخمة، والأراضي الشاسعة المثمرة، لقد كان ثلث ثروة فرنسا-وقيل ثلثاها- ملكاً للكنيسة (٣). وتوارت خلف الحروب الدينية تلك الرغبة في الاحتفاظ بهذه الثروة الكنسية أو الحصول عليها,
وواتى الحظ الكنيسة بارتقاء شارل دجيز منصب كبير وزراء فرنسيس الثاني، وكان قد نصب كردينالا للورين وهو لا يتجاوز الخامسة والثلاثين. وقد أخذ الأموال من آل جيز لقبهم هذا من قلعتهم القريبة من لاون، ولكن مقرهم الرئيسي كان في اللورين، التي لم تندمج في فرنسا إلا مؤخراً. أما الكردينال فكان رجلاً وسيم الطلعة، حاضر الذكاء، مهذب المسلك، إدارياً قديراً، يملك ناصية البلاغة في اللاتينية والفرنسية والإيطالية، ولكن شغفه بالمال والسلطان، ونفاقه المصقول، وتحفزه لاضطهاد الخوارج والانتقام من المعارضين، وخفضه الجريء نفقات الحكومة-كل هذا خلق له أعداء في كل طبقة تقريبا. وكان أخوه الكبر، فرنسيس دوق جيز، قد اكتسب سمعة في الاستراتيجية وميادين القتال، وأصبح الآن وزيراً للحربية، ولكن إفلاس البلاد كان يتطلب السلام، لذلك كان على فرنسيس أن يشبع أطماعه في تبطر مثير، فعشق مظاهر العظمة، والثياب الفاخرة، والعرض الفروسي، ولكن آدابه الملوكية وكياسته ومسلكه