الشخصي-كلها جعلت منه معبود فرنسا الكاثوليكية. ولم يكن يطيق الهرطقة، فرأى استئصال شأفتها بالقوة (٤) -وكان هو وأخوه على يقين من أن الكنيسة ستشرف لا محالة على الفناء إذا اعتنقت فرنسا البروتستنتية كما اعتنقتها ألمانيا وإنجلترا، وان فرنسا ستفقد تلك الحماسة الدينية التي دعمت من قبل نظامها الاجتماعي ووحدتها القومية. وفي سبيل الدفاع عن ايمانها وسلطانهما تحدى الأخوان جيز الكثير من المخاطر، ولقيا حتفهما قبل الأوان، وشاركا تبعة إيذاء فرنسا وتعذيبها.
لم يعد الهيجونوت أقلية ضئيلة عاجزة من الفرنسيين البروتستنت يقودهم ويلهمهم كالفن من جنيف، بل ثورة عقائدية واجتماعية واسعة الانتشار على الكنيسة. وقد قدرهم كالفن بعشر الشعب الفرنسي عام ١٥٥٩ (٥). وقدر ميشليه إن عددهم تضاعف عام ١٥٧٢ (٦). كان لهم مراكز في كل إقليم من دوفيني إلى بريتني، ولا سيما في الجنوب الغربي من فرنسا، حيث استؤصلت في الظاهر هرطقة الألبيجنس قبل ثلاثة قرون. فعقدوا اجتماعاتهم للصلاة برغم قوانين الخطر التي أصدرها فرنسيس الأول وهنري الثاني، وعاشوا على العظات الجادة التي تبشر بالجبرية، وأصدروا الكتيبات النارية حول مفاسد الكنيسة وعسف الأخوين جيز، وعقدوا مجمعاً عاماً في باريس (٢٦ مايو ١٥٥٩) تحت سمع الملك وبصره. لقد أعلنوا ولاءهم للملكية الفرنسية، ولكنهم نظموا الأقاليم التي سادوها وفق الأساليب الجمهورية. وصاغوا لهم ما تصوغه أية أقلية مضطهدة من ايدلوجية مؤقتة للحرية، ولكنهم وافقوا الكاثوليك على أن من واجب الدولة أن تفرض «الدين الحق» على فرنسا كلها. وكانت نظريتهم الخلقية أكثر صرامة من ناموس خصومهم الذي تراخى مع الزمن، فاجتنبوا الرقص، والثياب البهية، والمسرح، ونددوا ساخطين بأخلاق القصر، حيث «الرجال لا يغرون النساء» بل النساء يغرون الرجال (٧) كما قالت جان دالبير لابنها.