أما الملكة الأم، كاترين دي ميدتشي، فرأت أن الدين عند الفريقين «إن هو إلا ستار لا نفع له إلا إخفاء الأحقاد والضغائن، ومع ذلك فقلوبهم لا تنطوي على شئ أضأل من الدين (٨). ولعلها قست في حكمها هذا، ولكن ما من شك في أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية كانت تكمن خلف الصراع الديني؛ وثبت الفلاحين على الكثلكة، ولم يكن لهم مصلحة في هذا النزاع، ولم يجدوا جبرية صارمة كالبروتستنتية بديلاً يعوضهم عن الأساطير المعزية وملطفات الأعياد التي أتاحتها لهم عقيدتهم القديمة. أما البرولتاريا، الصغيرة عدداً الكبيرة بروح الثورة، فقد نددت برؤسائها واستمعت في تعاطف إلى صوت «الإصلاح» لأنه يعد ببعض التغيير، وكما حدث في إنجلترا اللورد والبيورتان وألمانية حرب الفلاحين، كذلك أصبح الإنجيل هنا كتاب الثورة (٩). كذلك استمعت الطبقات الوسطى إلى الوعاظ الأجرياء الذين دربتهم جنيف وبعثتهم إلى فرنسا. وأما رجال الأعمال الذين التقوا في الأسواق الكبيرة بالأثرياء من الألمان والانجليز والسويسريين فقد لاحظوا الحلف الناجح بين هؤلاء التجار وبين الحكام البروتستنت والأفكار البروتستنتية. لقد طالما كابدوا الإهانات تحت سلطان الأساقفة والبارونات الذين احتقروا التجارة وارتبطوا بعادات الاقطاع. وسرهم وأثار حسدهم ما علموه من عطف كالفن على دنيا المال والأعمال، ومن إشراكه العلمانيين في رقابة الأخلاق والأشراف على الكنيسة. وقد كرهوا ثراء الكنيسة وعشورها، وغاظتهم المكوس الاقطاعية المفروضة على التجارة. ولم يستطيعوا ان يغتفروا للملكية اخضاعها الكومونات البلدية للحكومة المركزية بعد أن ظلت قروناً حكراً سياسياً لهم (١٠). وحتى أصحاب المصارف رضوا عن الهيجونوت الذين لم يحتقروا تقاضي الفائدة على المال، وهو الأمر الذي استنكرته الكنيسة منذ زمن سحيق، وأن اغضت عنه مؤخراً بعين لاهوتية وقور.
وكان كثيرون من النبلاء يعتنقون قضية الثوار، لأنهم هم ايضاً لم يرتضوا