والفقراء يدخلونها قبل الأغنياء. ومقر الجنة في السماء السابعة الفلكية أو ما بعدها، وهي حديقة واسعة الأكناف تجري من تحتها الأنهار وتظللها الأشجار الظليلة، ويلبس فيها الصالحون ثياباً من سندس وإستبرق، ويحلون بالجواهر، ويتكئون على الآرائك، ويطوف عليهم ولدان مخلدون، ويأكلون فاكهة من أشجار تطأطئ أغصانها لهم ليملئوا من ثمارها أيديهم، فيها أنهار من لبن، وعسل، وخمر يشرب منها الصالحون (وإن كانت الخمر محرمة في الدنيا) في أكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون "لا يسمعون فيها لغواً ولا كذباً"(سورة النبأ ٥٣)، "فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان … كأنهن الياقوت والمرجان""وكواعب أترابا". "وعندهم قاصرات الطرف عين، كأنهن بيضٌ مكنون"، أجسامهن من المسك مبرأة من نقائص الأجسام البشرية وآثامها. وسيكون لكل رجل من الصالحين اثنتان وسبعون من أولئك الحور جزاء له على ما عمل من الطيبات (١)، ولم تنقص الأيام ولا الأعمال ولا الموت من جمال أجسامهن، ولا من نعيم رفاقهن (سورة الدخان) وفي الجنة غير هذه المتعة الجسمية متع أخرى روحية فمن المؤمنين من يتلون القرآن، وسيتجلى لهم الله جميعاً بوجهه "ويطوف عليهم ولدان مخلدون". ترى منذا الذي يستطيع أن يرفض مثل هذا النعيم.
(١) لعل الكاتب قد جاء بعدد الحور في الجنة من أقوال بعض المؤلفين الأقدمين. ومن الآراء التي لها قيمتها في هذا المعنى أنه يجب ألا تؤخذ هذه الأوصاف بمعناها الحرفي بل يجب أن نأخذها على أنها تقريب للأذهان لما يستمتع به الصالحون في الجنة من نعيم روحي. (المترجم)