طول عهدهم قانعين بطائفة من المقاطع يرمزون لها بنحو ثلاثمائة علامة من العلامات. وقد كان حفظ هذه الرموز المقطعية عن ظهر قلب ودراسة قواعد الحساب والتعاليم الدينية المنهج المقرر في مدارس الهياكل، حيث كان الكهنة يلقنون الشبان ما هو خليق بالدرس والمعرفة. وقد كشفت بعض أعمال الحفر عن حجرة دراسية قديمة وجدت على أرضها ألواح طينية لبنين وبنات كتبت فيها حكم أخلاقية تحث على الفضيلة قبل مولد المسيح بنحو ألفي عام، كانت كارثة مفاجئة نكاد نحن أن نحمد الله على وقوعها دهمت التلاميذ، فقطعت عليهم درسهم وحفظت لنا ألواحهم، ومصائب قوم عند قوم فوائد (١٣٥).
وكان البابليون كالفينيقيين، ينظرون إلى الكتابة على أنها مجرد وسيلة لتيسير بعض الأعمال التجارية، ولذا لم يضيعوا كثيراً من طينهم في كتابة الأدب. ونجد في ألواحهم قصصاً منظومة على لسان الحيوان- وهي نوع من أنواع لا حصر لها من القصص الخرافية- كما نجد فيها ترانيم دقيقة الوزن، مقسمة إلى سطور وإلى مقطوعات مفصولة بعضها عن بعض؛ لكن لا نجد من الشعر غير الديني الذي يصف شئون الناس العادية إلا القليل الذي لا يستحق الذكر؛ ونرى في المراسم الدينية ما يبشر بنشأة المسرحيات، وان لم تصل إلى مسرحيات بالفعل، ونجد عندهم قناطير مقنطرة من كتب التاريخ. ذلك أن المؤرخين الرسميين كانوا يسجلون تقى الملوك وفتوحهم، وما يصيب كل هيكل من الهياكل من عوادي الدهر، وما يقع في كل مدينة من أحداث هامة. ويقص علينا بروسس أشهر المؤرخين البابليين وأنبههم ذكراً في اطمئنان العالم الواثق من علمه، تفاصيل وافية عن خلق العالم وتاريخ الإنسان في عهده الأول. ويقول إن الله قد اختار أول ملك من ملوك بابل ليتولى حكمها، وأنه حكمها ستة وثلاثين ألف عام، كما يقدر في الدقة، جديرة في حد ذاتها بالثناء، وباعتدال ليس فيه ما في تقدير غيره من إسراف الزمن الذي مضى من خلق الأرض إلى أيام الطوفان