ينبغي أن يسهم أعضاء المجتمع ببعض ثروتهم لإعالة الدولة. وينبغي أن تُفرض ضريبة صارمة على جميع الأشخاص بنسبة تصاعدية مع ثروتهم و"فائض ممتلكاتهم"(١٣٥)، وألا تُفرض ضريبة على الضروريات، وأن تفرض ضريبة مرتفعة على الكماليات، وينبغي أن تمول الدولة نظاماً قومياً للتعليم. "أن الأطفال إذا نشئوا معاً (في مدارس قومية) في حضن المساواة وإذا أشربوا قوانين الدولة ومبادئ الإدارة العامة .. فلن نشك في أنهم سيحبون بعضهم بعضاً كما يفعل الأخوة. ليصبحوا في الوقت المناسب مدافعين وآباء الوطن الذي كانوا أبناؤه (١٣٦). والوطنية خير من العالمية أو التظاهر الهزيل بالعطف العالمي (١٣٧) ".
وكما طغت النزعة الفردية على المقالين الأولين، طغت النزعة الاجتماعية على مقال الاقتصاد السياسي. وهنا يصرح روسو لأول مرة بعقيدته الغريبة وهب أن في كل مجتمع "إرادة عامة" فوق المجموع العدد لما يحبه الأفراد الذين يؤلفونه وما يكرهون. فالمجتمع، في فلسفة روسو المقطورة، كائن اجتماعي له روحه الخاصة.
"أن الدولة هي أيضاً كائن معنوي، يملك الإرادة، وهذه الإرادة العامة التي تنحو دائماً إلى صيانة ورفاهية الدولة كلها وكل جزء فيها، هي مصدر القوانين، وهي التي تشكل لجميع أعضاء الدولة، في علاقاتهم بعضهم ببعض القاعدة التي تفرق بين العدل والظلم (١٣٨).
وحول هذا المفهوم يقيم روسو الأخلاق والسياسة التي ستغلب منذ الآن على آرائه في الشؤون العامة. فنرى الثائر الذي اعتبر الفضيلة تعبير الإنسان الحر الطبيعي يعرفها الآن بأنها "ليست سوى مطابقة الإيرادات الفردية للإرادة العامة" (١٣٩). ونرى الرجل الذي كان ينظر إلى القانون مؤخراً جداً على أنه إثمٌ من آثام الحضارة، وأنه أداة مريحة لفرض النظام الطيع على الجماهير المستغلة، يصرح الآن بأن القانون وحده هو الذي يدين له الناس بالعدل والحرية، وهذا الجهاز النافع من أجهزة الإرادة الجماعية هو الذي يرسي،