ولعله حسب انحلاله هو انهياراً للكون كله. فقد كان وهو بعد في الخامسة والخمسين يموت من الهرم. وأصبح المشي عسيراً عليه لإصابته بالاستسقاء، والتنفس مؤلماً لإصابته بالربو. وفي ٦ مايو ١٧٤٤ أصابه هذيان كان يفيق منه فترات، وأعرب في إحداها عن إيمانه بحياة بعد الموت. وسأله صديق كاثوليكي أيستدعي له كاهناً فأجاب بوب "لست أراه ضرورياً ولكنه سيكون عين الصواب، وشكراً لأنك ذكرتني بهذا" (٥٢). ومات في ٣٠ مايو، "هادئاً رابط الجأش" (إذا صدقنا جونسن)، "حتى أن خدمه لم يتبينوا بالضبط وقت وفاته". ولم يكن من حقه أن يدفن في دير وستمنستر لأنه كاثوليكي، فووري التراب إلى جوار أبيه وأمه في تويكنهام.
أكان جنتلماناً؟ لا، فإن أحقاده الفياضة بالقدح والذم شاركت في تسميم هواء إنجلترا الأدبي في النصف الأول من القرن الثامن عشر، وقد أخرجت آلامه الجسدية أحماضاً لاذعة وحرمته العافية التي تفيض بالحب والود على من حولها. أكان عبقرياً؟ بالطبع، لا في الفكر الذي استعاره، بل في الشكل الذي بلغ به مرتبة الكمال في النوع الأدبي الذي اختاره. وقد وصفه ثاكري بأنه "أعظم فنان أدبي شهده العالم (٥٣)". ففي لباقة الكلام، وإيجاز التعبير، وخصب العبارة، كان أمام عصره غير منازع. وحتى الفرنسيون قبلوا أعظم شاعر في جيله، وتطلع إليه فولتير مثلاً له وقلده، كما نرى في "أحاديثه عن الإنسان". ولقد ظل ثلاثين عاماً- أطول من أس شاعر آخر- أمير الشعر الإنجليزي، وثلاثين عاماً آخر نموذجاً يحتذيه الشعراء الإنجليز، إلى أن جاء وردزورت بشيراً بعصر جديد.
ونحن الذين نهرول ف حياتنا اليوم رغم فراغنا كله، نرى في مقطوعات بوب، في تشطيرها الآلي، أو في صعودها وهبوطها