واعتكف فيساليوس في لوفان حين غزا مليكه شارل الخامس فرنسا عام ١٥٣٦. وقد عطل نشاطه هناك نقص الجثث، فخطف جثة من الهواء هو وصديق له يدعى جيما فريزيوس (الذي اشتهر فيما بعد رياضياً). وتكشف روايته للحادث عن ولعه بالتشريح. يقول:
بينما كنا نتمشى ونبحث عن عظام في المكان الذي يوضع فيه عادة من أعدموا، على الطريق الريفية، وقعت على جثة متيبسة … وكانت العظام مجردة من اللحم كلية ولا يمسكها غير الأربطة. وتسلقت الخازوق بمساعدة جيما وجذبت عظم الفخذ، وأتبعته العظم الكتفي والذراعين واليدين … وبعد أن حملت الساقين والذراعين إلى البيت خفية وفي رحلات متتالية … تركت نفسي حبيساً خارج المدينة في المساء حتى آتى بالصدر، وكان مربوطاً ربطاً وثيقاً بسلسة، وكنت أتحرق شوقاً إلى إتمام مهمتي … وفي الغد نقلت العظام جزءاً فجزءاً خلال بوابة أخرى من بوابات المدينة". (٥٧)
وأدرك عمدة المدينة الأمر، ومن بعدها كان يعطي فصول التشريح ما أمكن الإفراج عنه من الجثث. يقول فيساليوس "وكان هو نفسه يحضر بانتظام كلما قمت بالتشريح (٥٨)".
وما كان في استطاعة رجل كهذا "يتحرق شوقاً" أن يحتفظ بطبعه هادئاً. فلما لبث أن اشتبك في نزاع حاد مع مدرس حول طرائق شق الوريد، ورحل عن لوفان (١٥٣٧) وركب هابطاً الرين عابراً جبال الألب إلى إيطاليا. وكان قد بلغ من الكفاية مبلغاً أتاح له الحصول قبل نهاية تلك السنة على درجة الطب في بادوا "بأقصى خفض" في الرسوم، لأنه كلما علا تقدير الطالب انخفضت رسوم تخرجه. وفي اليوم التالي نفسه (٦ ديسمبر ١٥٣٧) عينه مجلس شيوخ البندقية أستاذاً للجراحة والتشريح بجامعة بادوا. وكان يومها في الثالثة والعشرين.