كتاب قصة الحضارة

الفكر والفن في بلاد الإسلام الشرقية - التصوف والإلحاد - ج: 13 - ص: 216

ابن منصور الحلاج:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا

فإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته أبصرتنا

إني مغرق قوم نوح ومهلك عاد وثمود … أنا الحق (١)

وقُبض على الحلاج لمغالاتهِ في عقيدتهِ الصوفية، وضُرب مائة سوط وألقي به في النار حتى مات (٩٢٢). ويدعي أتباعه أنهم شاهدوه وتحدثوا إليه بعد أن خمدت أنفاسهُ على هذا النحو إلى حين، واتخذه كثيرون من الصوفية وليهم وحاميهم.

ويعتقد الصوفي كما يعتقد الهندوسي أن نظاماً صارماً من التطهير لا بد منه لكي ينكشف عنه الغطاء ويرقى إلى عالم الفيض والإلهام. والتطهير يكون بضروب من التفاني في الطاعات، والتأمل والنظر والتدبر، والصلاة، وإطاعة المريد لأستاذهِ الصوفي أو معلمهِ، والتجرد الكامل من جميع الشهوات البدنية، بما فيها التجرد من شهوة النجاة، والاتحاد الصوفي مع الله. والصوفي الكامل يحب الله لذاتهِ لا رغبةً في ثواب ولا خوفاً من عقاب. وفي ذلك يقول أبو القاسم إن المعطي خير من العطية (٨٣). والصوفي عادةً يتخذ هذا النظام وسيلة يصل بها إلى معرفة الأشياء معرفة حقيقية، ومنهم من يتخذه نهجاً يرتفع بهِ إلى درجة من الكرامة تجعل له سلطاناً على الطبيعة، ولكنه يكاد يكون على الدوام سبيلاً إلى الاتحاد مع ذات الله. ومن فنيت نفسه فناءً تاماً في هذا الاتحاد يسمى عندهم الإنسان الكامل (٨٤). ويعتقد الصوفية أن من وصل إلى هذه المرتبة أصبح فوق كل القوانين، وغير ملزم حتى بأداء فريضة الحج. وفي ذلك يقول أحد المتصوفة

---

(١) يذكر ابن النديم صاحب الفهرست أسماء ٣٥ كتاباً للحلاج منها كتاب نور النور التجليات، وكتاب علم البقاء والفناء، وكتاب كيف كان وكيف يكون، وكتاب لا كيف. (المترجم)