إن كل العيون تتجه نحو الكعبة أما عيوننا فتتجه نحو وجه الحبيب (٨٥).
وظل الصوفية يعيشون في الدنيا كسائر الناس حتى منتصف القرن الحادي عشر، وكانوا أحياناً يعيشون مع أسرهم وأبنائهم. بل إنهم كانوا لا يرون للعزوبة قيمة كبرى من الناحية الأخلاقية. وفي ذلك يقول أبو سعيد إن الولي الحقيقي يسير بين الناس، ويأكل وينام معهم، ويشتري ويبيع في الأسواق، ويتزوج، ويشترك مع الناس في مجالسهم، ولا ينسى الله لحظة واحدة (٨٦).
ولم يكن هؤلاء الصوفية يمتازون عن غيرهم بشيء سوى بساطة حياتهم، وتقواهم وخشوعهم، وهم يشبهون من هذه الناحية طائفة الكويكرين المسيحيين. وكانوا من حين إلى حين يجتمعون حول شيخ من الأتقياء الصالحين أو يجتمعون جماعات للصلاة والدعوة المتبادلة إلى التقى والصلاح. وقد بدأت منذ القرن العاشر مجالس الذكر التي أصبح لها شأن عظيم عند الصوفية المتأخرين. ومنهم عدد قليل اعتزلوا العالم وعذبوا أنفسهم، وإن كان الزهد في ذلك الوقت من الأمور النادرة، وكان يلقى كثيراً من المقاومة. وكثر الأولياء من بين الصوفية بعد أن لم يكن لهم وجود في بداية الإسلام. ومن أوائل هؤلاء رابعة العدوية من أهل البصرة (٧١٧ - ٨٠١). وكانت في شبابها جارية اشتريت بالمال ولكن سيدها أعتقها لأنه شاهد هالة من النور فوق رأسها وهي قائمة للصلاة. وأبت رابعة أن تتزوج وعاشت عيشة الزهد، وإنكار الذات، وفعل الخير. وسئلت في يوم من الأيام "هل تكرهين الشيطان؟ "، فأجابت:"إن حبي لله قد منعني من الاشتغال بكراهية الشيطان". ومما يروى عنها تلك المناجاة الصوفية الذائعة الصيت: "إلهي! إن كنتُ عبدتكَ خوف النار فاحرقني بالنار، أو طمعاً في الجنة فحرّمها عليَّ، وإن كنتُ لا أعبدكَ إلا من أجلكَ فلا تحرمني