أن تحالف روما، أما هلكرنسس فكانت قد انحدرت فلم تنجب أرقى من ديونيشيس- وهي التي أنجبت هيرودوت- وكان ديونيشيس هذا ناقداً أدبياً بارعاً ولكنه كان مؤرخاً تعوزه القدرة على النقد والتمحيص. وكانت ميليتس قد جاوزت عهد شبابها، وإن كانت لا تزال ثغراً نشيطاً؛ وكان وحي أبلو في دديما Didyma القريبة منها لا يزال يجيب عن الأسئلة إجابات مُلغّزة، وكان القصّاصون في هذا الإقليم يُنسجون "القصص الميليتية" الغزلية ذات الخيال الوثّاب التي تطوّرت بعد قليل من الوقت فكانت هي الروايات اليونانية القصصية الطويلة. وكانت بريني Priens بلدة صغرى، لكن أهلها أخذوا يتبارون في تجميلها بالمباني الفخمة. وفي هذه المدينة انتُخِبَت في القرن الأول الميلادي امرأة تسمى فيلي Philie لتشغل أسمى المناصب في البلدة وذلك لأن نفوذ روما وثراءها قد أخذا يرفعان من منزلة المرأة في الأراضي الهيلينية. وكانت مجنيزيا القائمة على ضفة الميندر تضم هيكلاً يعدّه الكثيرون أقرب هياكل آسية إلى الكمال- وكان مخصصاً لعبادة أرتميس (١٢٩ ق. م)، وقد خططه هرموجنيز Hermogenes أعظم مهندسي ذلك العصر. وكان العامة من أهل ميكالي لا يزالون يجتمعون في كل سنة ليكون منهم اتحاد عام ومجلس ديني لأيونيا.
واشتهرت كوس إحدى الجزائر القريبة من ساحل كاريا بنسج الحرير وبمدرستها الطبية الغنية بتقاليد أبقراط؛ وكانت رودس (الوردة) حتى في إبان ضعفها أجمل مدائن العالم اليوناني. ولما أن أراد أغسطس بعد الحرب الأهلية أن يُخفّف من بؤس المُدن الشرقية بالسماح لها بإلغاء الديون كلّها، أبت رودس أن تفيد من هذا التيسير، وأدّت كل ما عليها من التزامات بصدق وأمانة، وكان من أثر هذا أن استعادت بعد زمن قليل مكانتها بوصفها المصرف المالي لتجارة بحر ايجة، وعادت كما كانت من قبل الميناء الذي ترسو فيه البواخر المسافرة بين آسية ومصر. وقد اشتهرت المدينة بتمثالها الضخم المحطّم، ومبانيها الجميلة،