وتماثيلها الرائعة، وشوارعها المنظمة النظيفة، وحكومتها الأرستقراطية القديرة، ومدارس الفلسفة والخطابة الذائعة الصيت. وفي هذه المدارس علّم أبلونيوس مولو قيصر، وشيشرون تلك الأساليب الفنية التي أثرا بها في كل ما كتب بعدهما من نثر لاتيني.
وكان أشهر علماء رودس في ذلك العصر هو بوسيدونيوس صاحب أكبر عقل مُنشئ مبدع في التاريخ القديم كله. وكان مولده في إباميا Abamea من أعمال سوريا عام ١٣٥ ق. م، وكان أول ما اشتهر به سرعة عدوه في المسافات البعيدة، وبعد أن درس على بنيتيوس Panetius في أثينة اتّخذ رودس وطناً له، وعمل فيها حاكماً وسفيراً، وطاف بعدة ولايات رومانية، ثم عاد إلى رودس، واجتذب إلى محاضراتها في الفلسفة الرواقية عظماء الرجال أمثال بمبي وشيشرون. وذهب في الثالثة والثمانين من عمره ليعيش في روما ومات فيها في السنة التالية. ومن مؤلفاته كتاب التاريخ العام المفقود الذي يقص تاريخ روما وممتلكاتها من عام ١٤٤ إلى عام ٨٢ ق. م؛ وكان العلماء القدامى يضعونه في منزلة كتاب يولبيوس. وكان وصفه لرحلاته في غالة، ورسالته عن المحيط من المصادر التي استمدّ منها أسترابون كتاباته. وكان تقديره بُعد الشمس عن الأرض ٥٢. ٠٠٠. ٠٠٠ أقرب إلى تقدير هذه الأيام من تقدير أي عالم قبله. وقد سافر إلى قادس Cadiz ليدرس المد والجزر، وفسر هذه الظاهرة بأنها من فعل الشمس والقمر مجتمعين. وقد عرض المحيط الأطلنطي بأقل من عرضه الحقيقي، وتنبأ بأن في مقدور المسافر من أسبانيا أن يصل إلى الهند بعد أن يقطع ثمانية آلاف ميل. وكان رغم إلمامه بالعلوم الطبيعية يؤمن بكثير من الأفكار الروحية السائدة في عصره- فكان يعتقد بالشياطين والقدرة على معرفة الغيب، وبالتنجيم، وقراءة الأفكار، وبقدرة الروح على أن ترقى حتى تتحد اتحاداً