المتباهين الذين جاءوا ليحكموهم، والذين يقضون أوقاتهم بين حلبة الألعاب، والمدرج، والمواخير، والحمّامات، ويستمتعون بكل ما يتيحه لهم دافني Daphne بستانهم الشهير القائم في ضاحية المدينة. وكان للأهلين أعياد كثيرة، تستمتع أفرديتي بنصيب فيها كلها. وفي عيد بروماليا Brumalia الذي كان يدون معظم شهر ديسمبر، كانت المدينة كلها، كما يقول كاتب معاصر، تبدو كأنها حالة واحدة، وكانت الشوارع تعجّ طول الليل بالغناء والقص والمرح (٥٢). وكان فيها مدارس لتعليم البلاغة، والفلسفة، والطب، ولكنها لم تكن مركزاً علمياً، ذلك أن أهلها كانوا يقضون يومهم كله في العمل، فإذا احتاجوا للذين لجأوا إلى المنجّمين، والسحرة، وصنّاع المعجزات، والمشعوذين.
والصورة التي تطالعنا لسوريا تحت حكم الرومان هي صورة البلد الرخي رخاء أدوَم من رخاء أي ولاية أخرى من ولايات الدولة الرومانية. وكان معظم أهلها من الأحرار إلا مَن كان يقوم منهم بالخدمة في البيوت. وكانت الطبقات العليا مصطبغة بالصبغة اليونانية، أما الطبقات الدنيا فقد احتفظت بطابعها الشرقي. وكان الفلاسفة اليونان يختلطون في المدينة الواحدة بعاهرات الهياكل والكهنة الفنيين، وقد ظلّ الأطفال حتى أيام هدريان يُضحّى بهم قرباناً للآلهة (٥٤). وكانت التماثيل المنحوتة والصور الملونة ذوات وجوه وأشكال نصف شرقية، وعليها طابع العصور الوسطى. وكانت اللغة اليونانية اللغة السائدة في دور الحكومة وفي الأدب، ولكن لغات البلاد -وأهمّها الآرامية - لغة التخاطب بين الأهلين. وكان العلماء فيها كثيرين، وقد طبقت شهرتهم العالم كله فترة قصيرة من الزمان. فقد كان منهم نقولوس الدمشقي الناصح الأمين لأنطونيوس وكليوبطرة، وهيرود، والذي أخذ على عاتقه ذلك الواجب الثقيل المُمِل واجب كتابة تاريخ عام، وهو واجب يُشفق منه هرقول نفسه، على حد قوله (٥٥). وقد أشفق الدهر عليه فدفن كل مؤلّفاته، كما سيدفن مؤلّفاتنا هذه على مهل.