مكاسبهم مع الثالوث التدمري بأن شيدوا له هيكلاً كان مزيجاً من الفن اليوناني والهندي؛ وزيّن مصور شرقي جدرانه بمظلمات تدل أوضح دلالة على أن الفن البيزنطي والفن المسيحي الأول من أصل شرقي (٥٢). وكان على النهر الأعظم شمال هذه المدينة مدينتان أخريان ذواتا شأن عند مُلتقى طريقين بريين كبيرين وهما مدينتا ثبساكس Thapsacus وزجما Zeugma. وإذا اتجه المسافر من ثبساكس نحو الغرب مرّ بمدينتي بروئيا Beroea (حلب) وأباما Apamea ووصل إلى البحر الأبيض المتوسط عند لأوديسيا Laodicea - التي لا تزال تحتفظ باسمها القديم اللاذقية مع تحريف قليل فيه، ولا تزال أيضاً ثغراً ناشط الحركة. وبين هذه البلدة وأباميا يتجه نهر العاصي نحو الشمال وتمتدّ على شاطئيه ضياع غنية حتى يصل إلى إنطاكية عاصمة سوريا في ذلك الوقت. وكان النهر تعاونه شبكة عظيمة من الطرق البرية يحمل بضائع الشرق إلى إنطاكية، بينما كانت سلويا سبيريا Selluce Spieria ثغر البلاد الواقع على البحر الأبيض على بُعد أربعة عشر ميلاً من إنطاكيا نحو مصب النهر تأتي إليها بحاصلات الغرب. وكان الجزء الأكبر من المدينة يقوم على سفح الجبل ويشرف على نهر العاصي الذي يجري من تحته. وكانت المدينة ذات موقع جميل استطاعت إنطاكية بفضله أن تنافس رودس في أن تكون أجمل مدائن الشرق الهلنستي. وكانت شوارعها تضاء بالليل فتكسبها بهجة وجمالاً، وتؤمن سكانها على أنفسهم وأموالهم، وكان شارعها الرئيسي البالغ طوله أربعة أميال ونصف ميل مرصوفاً بالحجر الأعبل، ويقوم على جانبه صفّان من العُمَد المسقّفة، فكان في وسع الإنسان أن يسير راجلاً من أحد طرفي المدينة إلى طرفها الآخر وهو آمن من المطر وحر الشمس. وكان الماء النقي يصل بمقادير موفورة إلى كل بيت من بيوتها. وقد اشتهر سكانها البالغ عددهم ٦٠٠. ٠٠٠ والذين كانوا خليطاً من اليونان، والسوريين، واليهود بإفراطهم في اللهو والمرح، يعبون اللذات عباً، ويسخرون من الرومان