للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأشراف، ولا هيئة من رجال الدين، بل كان الذي يحد من هذا السلطان هو القرآن وحده-وكان في وسع من يستخدمهم من العلماء (١) ويؤدي لهم أجرهم أن يفسروه له كما يريد. وكان ثمة قدر من تكافؤ الفرص في هذه الحكومة المطلقة. ذلك أنه كان في مقدور أن إنسان أن يرقى إلى أعلى المناصب إلا إذا كان أبواه كلاهما من الأرقاء.

وأدرك العرب أنهم قد تغلبوا على مجتمعات مضمحلة ولكنها حسنة التنظيم فاستعانوا في بلاد الشام بنظام بيزنطية الإداري، وفي بلاد فارس بنظام الساسانيين، وكان لا بد أن تسير الحياة في الشرق الأدنى على النسق القديم، بل أن الثقافة اليونانية الشرقية نفسها قد تخطت حاجز اللغة وانتعشت مرة أخرى في العلوم والفلسفة الإسلامية. ونشأ في عهد العباسيين طراز معقد من الحكومة المركزية، والإقليمية، والمحلية، تسيره طائفة من الموظفين لا تتأثر إلا قليلاً باغتيال الجالسين على العرش، أو بالثورات التي تحدث في داخل القصر. وكان على رأس النظام الإداري الحاجب أو رئيس التشريفات، ولم يكن عمله من الوجهة النظرية يتعدى الإشراف على الحفلات في القصر، ولكنه استطاع من الوجهة العملية أن يستحوذ على كثير من السلطة بتحكمه فيمن يدخلون على الخليفة. وكان يليه في مرتبته، ولكن يفوقه في السلطان (بعد الخليفة المنصور) الوزير، وهو الذي يعين موظفي الحكومة، ويشرف عليهم، ويرسم سياسة الدولة ويسيرها. وكان أهم الدواوين ديوان الخراج، والحسابات، والشرطة، والبريد، والنظر في المظالم وهو الذي أصبح بمثابة محكمة ترفع إليها الأحكام القضائية والإدارية. وكان يلي الجيش في الأهمية عند الخليفة ديوان الخراج حيث كان الجباة يضارعون جباة الدولة


(١) لا شك في أن في هذا الحكم الشامل مغالاة كثيرة. فالتاريخ الإسلامي يفيض بالشواهد الدالة على ما لرجال الدين من مواقف مشرفة ضد الخلفاء، لاقوا بسببها كثيراً من العنف والاضطهاد. (المترجم)