البيزنطية في عنادهم وشدتهم، وكانت أموال طائلة تنتزع من الاقتصاد القومي لإقامة نظام الحكم والإنفاق على الحكام. وكان إيراد بلاد الخلافة كل عام في عهد هارون الرشيد يزيد على ٥٣٠. ٠٠٠. ٠٠٠ درهم (نحو ٤٢. ٤٠٠. ٠٠٠ ريال أمريكي) فضلاً عما أضيف إليه في ذلك الوقت من ضرائب عينية لا يحصى عديدها (٧٢). ولم يكن ثمة دَيْن قومي، بل حدث عكس هذا في عام ٧٨٦ إذ كان في الخزانة رصيد يبلغ ٩٠٠. ٠٠٠. ٠٠٠ درهم.
وكان البريد العام، كما كان في عهد الفرس والرومان؛ لا يخدم إلا الحكومة وكبار الأشخاص، وكان أهم ما يستخدم فيه هو نقل الأخبار والأوامر بين عاصمة الدولة والولايات، ولكنه كان إلى هذا يتخذ وسيلة للتجسس من قبل الوزير على الحكام المحليين. وكان ديوان البريد يصدر أدلة مكتوبة ليستعين بها التجار والحجاج، تحوي أسماء محاط البريد المختلفة، وبعد كل واحد منها عن الآخر، وكانت هذه الأدلة أساس علم تقويم البلدان عند العرب، وكان الحَمَام يدرب ويستخدم في نقل الرسائل-وكان هذا أول استخدام له معروف في التاريخ (٨٣٧). وكانت الأخبار فوق هذا ينقلها المسافرون والتجار، وكان في بغداد ألف وسبعمائة "امرأة عجوز" يعملن جاسوسات. غير أن الرقابة مهما اشتدت لا يمكن أن تحول بين الشرقيين والغربيين وبين ابتزاز الأموال العامة أو الارتشاء. فقد كان الولاة في بلاد العرب، كما كانوا في بلاد الرومان، يرون أن سني خدمتهم يجب أن تعوضهم عما أنفقوه من المال ليرتقوا به سلم المناصب، وما يلاقونه من المحن حين يغادرون المنصب. وكان الخلفاء في بعض الأحيان يرغمونهم على أن يردوا ما اغتصبوه، أو يبيعون حق إرغامهم إلى الحكام الذين يخلفونهم، وبهذه الطريقة انتزع يوسف بن عمر ٧٦. ٠٠٠. ٠٠٠ درهم من الولاة الذين تولوا حكم العراق قبله. وكان الولاة يتناولون مرتبات عالية، ولكن منهم أيضاً من تأثروا بسخاء الأسخياء، وقد ورد في أحد الأحاديث أن النبي نفسه كان يرى أن اثنين على