يقسم البلاد قسمين، في الشرق منه هضبة عالية جدباء، وفي الغرب وديان خضراء يسقيها النهران التوأمان، ويجري ماء فيضانهما الموسمي في شبكة من القنوات تكسب البلاد الخصب والنماء فتنتج أرضها القمح، والبلح، والعنب، والفاكهة. وكان بين النهرين، وعلى ضفافهما، وفي ثنايا التلال، وواحات الصحراء، عدد لا حصر له من القرى وعشرات المئات من البلدان وعشرات من المدائن الكبيرة: منها إكباتانا، والري، وموصل، واصطخر (برسبوليس القديمة)، والسوس، وسلوقية، وطيسفون (المدائن) العظيمة عاصمة الملوك الساسانيين.
ويصف أميانوس الفرس في ذلك الوقت بأنهم "يكادون كلهم يكونون نحاف الأجسام، سمر البشرة إلى حد ما … لهم لحى على جانب من الظرافة، وشعر طويل أشعث"(١). غير أن الطبقات العليا لم تكن ذات شعر أشعث، ولم يكن أفرادها نحاف الأجسام على الدوام، وكان يغلب عليهم الجمال، وكانوا ذوي أنفة وكبرياء، ودماثة في الأخلاق، يميلون إلى الرياضة الشاقة الخطرة، والثياب الفخمة. وكان رجالهم يلبسون العمائم على رءوسهم، والسراويل المنتفخة في سيقانهم، والصنادل أو الأحذية ذات الأربطة في أقدامهم. وكان أغنيائهم يلبسون معاطف أو جلابيب من الصوف أو الحرير ويتمنطقون بمناطق يعلقون فيها السيوف. أما الفقراء فكانوا يقنعون بأثواب من نسيج القطن، أو الشعر، أو الجلد. وكان النساء يلبسن أحذية طويلة، وسراويل قصيرة، وقمصاناً واسعة، وعباءات أو أثواباً مهفهفة، ويعقصن شعرهن الأسود من الأمام في غديرة يتركنها تنوس خلفهن ويزينها بالأزهار. وكانت جميع الطبقات مولعة بالزينة والألوان الجميلة. وكان الكهنة والزرادشتيون المتحمسون يلبسون ثياب القطن الأبيض يرمزون به إلى الطهارة؛ أما قواد الجنود فكانوا يفضلون اللون الأحمر، وكان الملوك يميزون أنفسهم من سائر الطبقات بالأحذية القصيرة الحمراء، والسراويل الزرقاء، وأغطية للرءوس تعلوها كرات منتفخة أو رءوس حيوانات