أما جورج باركلي، الذي ترك بصمته على الفلسفة في السنوات ١٧٠٩ - ١٣، فقد أدلى بدلوه في الجدل من جزيرة رود بكتاب "ألسيفرون" أو الفيلسوف الصغير (١٧٣٣)، وهو حوار يتألق بالتفكير الجريء والأسلوب المرح. والسيفرون هذا يصف نفسه بأنه رجل حر التفكير، تقدم من التسامح الديني إلى الربوبية إلى الإلحاد، وهو الآن يرفض الدين كله باعتباره خداعاً يموه به الكهان والحكام على الناس؛ وهو يأبى الإيمان بأي شيء غير الحواس، والعواطف، والميول الفطرية؛ ويندز بوفرانور (لسان حال باركلي) الربوبيين بأن عقيدتهم مفضية إلى الإلحاد، وأن الإلحاد سيفضي إلى انهيار الفضيلة. قد يكون هناك بعض الملحدين الأفاضل، ولكن ألا تولد عقيدتهم، إذا ما قبلتها الجماهير، الإباحية والتمرد على القانون؟ وهؤلاء المتشككون في الدين ينبغي أن يتشككوا في العلم أيضاً، لأن كثيراً من دعاوي العلماء-كما هي الحال في الرياضة العليا-تتجاوز تماماً شهادة حواسنا أو تناول فهمنا. وما من شك في أن عقيدة التثليث ليست أعصى على الفهم من الجذر التربيعي لناقص واحد.
وأما وليم وربرتن فلم يكن بالرجل الذي يرسي إيمانه أو موارده الكنيسة على أساس واه كجذور باركلي الصماء. فبعد أن دُربّ لممارسة المحاماة، ورُسم قساً أنجليكانياً، شق طريقة وسط غابة اللاهوت بكل ما أوتي الذهن القانوني من براعة يقظة. ولعله كان أصلح للجيش منه للمحاماة أو لرداء الكهنوت، فقد كان يستطيب العراك، وما كان يستطيع النوم في الليل إلا إذا أردى خصماً في النهار. وقد وصف حياته بأنها "حرب على الأرض، أي على المتعصبين والمنحلين، الذين أعلنت عليهم الحرب الأبدية كما فعل هانيبال أمام المذبح (٣١) ". واتسع مرمى سهامه وبعد، فإذا أخطأت الخصوم قتلت الأصدقاء. وقد وصف معاصريه بأوصاف محكمة. فجونسن "بلطجي" خبيث وقح، وجاريك "إذا انحرف مرة وتكلم كلاماً له بمعنى كان أقرب إلى الهراء"، وسموليت "اسكتلندي متشرد" يكتب "لغواً مضروباً في عشرة آلاف"، وفولتير "وغد" يتمرغ في "أقذر بالوعات التفكير الحر (٣٢) ".