وقد ظهرت رائعته الضخمة ذات المجلدين في ١٧٣٧ - ٤١ بعنوان "رسالة موسى الإلهية مفسرة طبقاً لمبادئ ربوبي ديني" وكانت حجتها مبتكرة وفذة. فالأيمان بحالة مستقبلة من الثواب والعقاب لا غنى عنه للنظام الاجتماعي (وهو ما وافق عليه الكثير من الربوبيين)، ولكن موسى وفق في تنظيم الحياة اليهودية وأبلاغها حالة من الرخاء والفضيلة بغير ذلك الإيمان، ولا تفسير لهذه المعجزة إلا بالإرشاد الإلهي لموسى واليهود، ومن ثم فرسالة موسى ونواميسه الهية، والكتاب المقدس كلمة الله. وأحس وربرتن أن هذا الإيضاح "قريب كل القرب من اليقين الرياضي (٣٣) " ولم يكن زملاؤه اللاهوتيون سعداء كل السعادة برأيه في أن الله أرشد اليهود خلال ٦١٣ قانون وأربعة آلاف سنة دون أن يعلمهم أن نفوسهم خالدة. ولكن المؤلف القوي ملأ صفحاته ببحوث علمية-عن طبيعة الفضيلة، وعن التحالف الضروري بين الكنيسة والدولة، وعن ديانات الأسرار والشعائر في العصور القديمة، وعن أصل الكتابة، وعن معنى الرموز الهيروغليفية، وعن التاريخ المصري، وعن تاريخ سفر أيوب، وعن أخطاء أحرار الفكر، والآثريين، والعلماء، والمؤرخين، والتوحيديين والأتراك، واليهود-حتى لقد ذهلت إنجلترا بأسرها لثقل علمه واتساع مداه. وتقد وربرتن من معركة إلى معركة-ضد كروساز، وثيوبورلد، وبولنبروك، ومدلتن، ووسلي، وهيوم-حتى بلغ أسقفية جلوستر المريحة المجزية.
وأما جوزيف بطلر فكان ألين عوداً ولكنه أكثر رهافة وتهذيباً، رجلاً بالغ الرقة والتواضع والإحسان، حَزّ في نفسه كثيراً أن يرى الدين الذي أعان على فطن الحضارة الأوربية من الهمجية، يواجه امتحاناً من أجل حياته. وقد صدمه الإقبال الذي لقيته مادية هوبز في الطبقات العليا. فلما عرضت عليه (١٧٤٧) رآسه أسقفية كنتربري-وهي أعلى منصب كنسي في إنجلترا-رفضها معتذراً بأنه قد "فات وقت محاولة دعم كنيسة متداعية (٣٤) ". وفي ١٧٥١ أعرب عن فزعه "لما أصاب الدين من انحلال شامل في هذه الأمة .. فتأثيره يبلي أكثر فأكثر في أذهان الناس … وعدد الذين يجهرون بالكفر في ازدياد، وتحمسهم للكفر يزداد بتزايد عددهم (٣٥) ". وقد أدهش