صديقه "دين تكر" بسؤاله: ألا يجوز أن تصاب الأمة كما يصاب الفرد بالجنون؟ وكأنه شعر أن شعباً من الشعوب قد يصاب بفقد الذاكرة الروحي إذا تخلى عن تراثه الديني والخلقي.
ومع ذلك كرس حياته في محاولة لرد اعتبار عقلي للإيمان المسيحي. فنشر وهو ما زال قسيساً شاباً في الرابعة والثلاثين "خمس عشر عظه"(١٧٢٦) لطف فيها من تحليل هوبز المتشائم للطبيعة البشرية، فزعم أن الإنسان وإن كان في نواح كثيرة شريراً بطبيعته، إلا أنه بطبيعته أيضاً كائن اجتماعي أخلاقي، فيه إحساس فطري بالحق والباطل. وقال إن العناصر الأسمى في كيان الإنسان تدين بأصلها لله، الذي هي صوته، وعلى هذا الأساس أقام نظرية عامة تقول بأن هناك قصداً إلهياً يتخلل العالم. وأعجبت كارولين بحجته، وفي ١٧٣٦ عين بطلر كاهناً خاصاً للملكة.
في ذلك العام نشر كتاباً ظل طوال قرن أهم حصن لحجج المسيحية ضد الإلحاد، واسمه "وجه الشبه بين الدين الطبيعي والموحي، وبين تكوين الطبيعة ومسلكها" وقد كشفت مقدمة الكتاب عن مزاج العصر:
"لقد انتهينا-ولا أدري كيف انتهينا-إلى حال أصبح فيها من القضايا المسلمة عند الكثيرين، إن المسيحية ليست موضوعاً يكثر فيه البحث والتحقيق إلا لأنه قد تبين آخر الأمر أنها ديانة زائفة. ومن ثم يتناولونها وكأن هذا بات الآن نقطة يجمع عليها كل أصحاب الفطنة والتمييز، فلم يبق إلا أن يجعلوا منها هدفاً رئيسياً للهزء والسخرية، وكأنهم يعاقبونها لأنها قطعت على الناس لذات الدنيا هذا الزمان الطويل (٣٦) ".
وإذ قصد بالكتاب أن يكون رداً على الربوبيين، فإنه افترض وجود الله. وكان "الدين الطبيعي" الذي يدين به الربوبيون يقبل "إله الطبيعة"، مخطط العالم وصانعه الأعظم، ولكنه يرفض الإله الذي صوره الكتاب المقدس، وهو إله ظالم ظلماً بيناً، لأنه لا يتفق أبداً وهذا المفهوم السامي. وأراد بطلر أن يبين أم في الطبيعة من علامات الظلم