والقسوة ما لا يقل عما في "يهْوه" كما صوره العهد القديم؛ وأنه لا تناقض بين إله الطبيعة وإله الوحي، وأن الذين قبلوا أحدهما ينبغي منطقياً أن يقبلوا الآخر. ويبدو أن كاهن الملكة الخاص، الطيب، لم يدر بخلده قط أن بعض الشكاك الوقحين قد يخلصون من هذه الحجة (كما خلص جيمس مل) إلى أنه لا هذا الإله ولا ذاك جدير بأن يعبده المتحضرون.
وأقام بطلر حجته في وجود الإلهين، وفي أنهما واحد، على الترجيح والاحتمال. فقال إن عقولنا ناقصة، وأنها عريضة لكل ضروب الخطأ، فليس في إمكاننا أن نصل إلى اليقينية لا في مر الله ولا في أمر الطبيعة؛ وحسبنا الترجيح، والترجيح يؤيد الإيمان بالله والإيمان بالخلود. وواضح أن النفس أسمى من الجسد، لأن أعضاء الجسد أدوات النفس وخدامها. والنفس، التي من الواضح أنها جوهر الإنسان، لا داعي لفنائها مع الجسد، وأغلب الظن أنها عند الموت تبحث عن أدوات جديدة في مرحلة أعلى. وليس من المريح للطبيعة أن يتغير كائن من صورة أدنى إلى صورة أعلى-كتغير الكائنات الزاحفة مثلاً إلى كائنات مجنحة، أو تغير الخادرة إلى فراشة؛ وقياس آخر يرجح أنه سيكون في حياة النفس بعد موت الجسد ألوان من الثواب والعقاب-مع الافتراض دائماً بأن الله موجود. فكما أننا نعاقب المجرمين على جرائمهم ضد المجتمع، كذلك تعاقب الطبيعة في معظم الحالات الناس على ما اقترفوا من آثام؛ ولكن بما أن هناك أمثلة كثيرة لا تلقى فيها الرذيلة عقاباً واضحاً، في هذه الحياة، لذلك كان مما لا يصدق أن الله لن يعيد، في حياة أخرى، علاقة أكثر إنصافاً بين السلوك والمصير. وضميرنا، حسنا الخلقي، لا يمكن أن يكون قد جاءنا إلا من لدن إله عادل.
وأكثر ما لحجج بطلر من أهمية في عصرنا هذا مرجعه أنها توضح مرحلة في تطور العقل العصري. ونحن إذا نظرنا إليها باعتبارها موجهة أصلاً ضد الربوبيين وجدنا فيها فكرة لا يستهان بها؛ فالذين قبلوا شهادة القصد الإلهي في الطبيعة، لا مبرر لهم في فرض الكتاب المقدس بسبب الإله القاسي المعلن عنه في العهد القديم، لأن إله الطبيعة