لا يقل عنه قسوة. لقد كانت طريقة غاية في الأصالة في الدفاع عن المسيحية. والظاهر أن بطلر لم يتوجس من أن هذه الحجة قد لا تفضي إلى المسيحية، بل إلى شيء أشد دفعاً من اليأس إلى الكفر-إلى النتيجة التي خلص إليها توماس هنري هكسلي، وهي أن القوى المطلقة في الكون أو وراءه غير أخلاقية، تتناقض أشد التناقض مع ذلك الإحساس بالحق والباطل الذي بنى عليه بطلر، كما بنى عليه كانط، الكثير من لاهوته. على أية حال كان كتاب "وجه الشبه" خطوة إلى الأمام ولو في هدوئه ولطفه، فهنا لا توجد كراهية لاهوتية، ولا قدحاً دينياً، بل محاولة جادة من الكاتب للتأدب حتى مع أولئك الذين بدوا أنهم يدمرون أعز آمال البشر. ورحبت الملكة كارولين بالكتاب لأنها رأت فيه أفضل دفاع ظهر إلى ذلك الحين عن العقيدة المسيحية. وأوصت وهي على فراش الموت بترقية بطلر، فعينه جورج الثاني أسقفاً على برستل، ثم ناظراً على كتدرائية القديس بولس، وأخيراً أسقفاً على درم. وهناك ضرب بطلر المثل لزملائه بالعيشة البسيطة والتصدق على الفقراء بجانب كبير من دخله.
وقد ترك كتابه للكفر منافذ كثيرة حتى إن كثيراً من رجال الكنيسة أشاروا بالكف عن هذا الجدل، وآثروا أن يرسوا إيمانهم عن الحاجات والعواطف الدينية بعيداً عن سهام العقل. مثال ذلك إن كتاب هنري دودويل "المسيحية دون أساس من الجدل"(١٧٤٢) يرفض الجدل العقلي في المسائل الروحية، لأنه لا يهدي إلى الحقيقة، وأقل من ذلك إلى السعادة، إنما هو رقصة موهنة ترقص فيها الحجج المؤيدة والمعارضة، وما من إنسان يقيم إيمانه على مثل هذه الأسس المائعة. وذهب دودويل إلى أن حجج كلارك، ووربرتن، وبطلر، وغيرهم من المدافعين المسيحيين، قد هزت من الإيمان الديني أكثر مما قوت، وربما لم يكن هناك إلحاد لولا أن المحاضرين في محاضرات بويل التذكارية دأبوا كل عام على تنفيذ الإلحاد. إن المسيح لم يجادل، بل علم كمن له سلطان. فانظر إلى أي شخص متدين حقاً، تجد فيه اقتناعاً باطنياً، لا استنتاجاً عقلياً؛ فالإيمان للنفس البسيطة يجب أن يكون تقليداً مقبولاً، وللروح الناضجة يجب أن يكون شعوراً مباشراً بواقع فوق الطبيعة.