أما وليم لو، فبعد أن ترك بصمته على الجدل مع الربوبيين، دفعته قراءة يعقوب بومي إلى التحول من الجدل إلى الصوفية؛ وفي نصف القرن الذي نحن بصدده، والمتسم بالمادية والكلبية الظافرتين، كتب عن الوجود الباطن للمسيح ومحبته الفادية بحرارة وثقة كأنه توماس أكمبيس مولوداً من جديد دون أن يطرأ على تغيير. وقد ضحّى بكل المطامع الدنيوية برفضه حلف اليمين التي تعترف بجورج الأول رأساً للكنيسة الإنجليزية؛ فحرم زمالته بكمبردج، واستُردت درجاته الجامعية. ثم أصبح معلماً خاصاً لأبي إدوارد جيبون، ومكث مع تلك الأسرة ردحاً كفى لأن يذكره المؤرخ (جيبون). قال هذا الشاك "لقد ترك في أسرتنا سمعة الرجل الفاضل التقي الذي يؤمن بكل ما يصرح به، ويمارس كل ما يأمر به (٣٧) " وقد أثنى جونيسن على كتاب لو "دعوة جادة إلى حياة تقية مقدسة"(١٧٢٩) وقال أنه "أروع قطعة من اللاهوت الوعظى في أي لغة (٣٨) " فمن المؤكد أن صوفية الكتاب أصح من تلك التي تتوه في رؤى خارقة، سماوية كانت أو جهنمية. كتب لو يقول: ليس هناك شيء خارق للطبيعة في نظام فدائنا كله، فكل جزء فيه له أساس في أعمال الطبيعة وقواها، وكل فدائنا إنما هو الطبيعة مصححة. "وليست الجحيم مكاناً، بل هي حالة النفس المضطربة، ولا الجنة مكاناً، ولا "حالة غريبة، منفصلة، مفروضة"، بل هي سعادة نفس في نظام وسلام (٣٩). ومع أن لو كان عضواً مخلصاً في الكنيسة الإنجليزية، فإنه كان يحلم برهبنة مجددة بروتستنتية. يقول:
"أذن لو أن أشخاصاً من الجنسين … تواقين إلى الكمال، تجمعوا في جماعات صغيرة، تنذر الفقر الاختياري، والتبتل، والعزلة، والعبادة، حتى تخفف صدقاتهم حاجة البعض، ويتبارك الجميع بصلواتهم وينتفعوا بقدوتهم … هؤلاء لا يتعرضون للاتهام بأي ميل للخرافة أو تعبّد أعمى … بل يمكن أن يقال حقاً وصدقاً أنهم يستعيدون تلك التقوى التي كانت فخر الكنيسة ومجدها على حياة قديسيها العظام (٤٠) ".
وقد أثرت مثل لو العليا ونثره الرائع في عمة جيبون، هستر جيبون،