الوطنية، وما أدت إليه الحروب الأهلية من تطاحن بين الإخوة وإتلاف لموارد البلاد، والقضاء على الكفايات بالفتن المتضادة الصماء- كل هذه قد استنفدت موارد هلاس في الوقت الذي كانت فيه الدولة الصغيرة القائمة على ضفة نهر التيبر، والتي كانت تحكمها أرستقراطية صارمة بعيدة النظر، تدرب جحافلها القوية المجندة من طبقة الملاك، وتتغلب على جيرانها ومنافسيها، وتستولي على ما في البحر الأبيض المتوسط من طعام ومعادن، وتزحف عاماً فعاماً على المستعمرات اليوناني في جنوبي إيطاليا. لقد كانت هذه المحلات القديمة في سابق عهدها تزهو بثرائها، وحكمائها، وفنونها، ولكنها الآن قد أفقرتها الحروب وغارات ديونيشيوس وسلبه ونهبه، ونشأة رومة وتقدمها ومنافستها لهذه المستعمرات في مركزها التجاري. يضاف إلى هذا أن القبائل الأصلية التي كان اليونان قد استعبدوا أفرادها أو طردوهم إلى ما وراء حدودها، قد ازدادت وتضاعفت، في الوقت الذي كان سادتها ينشدون النعيم والراحة بقتل أطفالهم وإسقاط الحاملات من نسائهم؛ وما لبث السكان الأصليين أن أخذوا ينازعون المستعمرين السيطرة على جنوبي إيطاليا، واستغاثت المدن الإيطالية برومة فأغاثتها والتهمتها.
وخشيت تاراس بأس رومة النامية فاستعانت بملك إبيروس الشاب الجريء؛ وكانت الثقافة اليونانية قد امتدت إلى هذه البلاد الجبلية الجميلة المعروفة إلينا باسم ألبانيا الجنوبية، منذ أن شاد الدوريون معبداً ازيوس في دودونا Dodona، ولكن هذه الثقافات ظلت مزعزعة غير موطدة الأركان (١). حتى عام ٢٩٥ حين تولى بيرس Pyrrhus ملك الملوسيين Mollosians وهم أقوى القبائل الإبيروسية وأعظمها سلطاناً. وكان بيرس هذا يدعي أنه من سلالة البطل أخيل، وكان وسيماً، شجاعاً، وحاكماً مستبداً، ولكنه محبوب. وكان رعاياه
(١) وعثر علماء الآثار الإيطاليون في عام ١٩٢٩ عند بترينو Butaino (وهي بثروتم Buthrotum القديمة) على طائفة كبيرة من آثار المباني والتماثيل الباقية من عهد الحضارتين اليونانية والرومانية، ومنها دار تمثيل يونانية من القرن الثالث قبل الميلاد.