والنحاس، والرصاص، والحرف اليدوية القائمة في الضياع، والأديرة، والمنازل، تقرن الحذق الروماني إلى الألماني؛ والتجارة تنمو ويطرد نشاطها في الأنهار وتنساب إلى البحرين الأسود والبلطي. وكسب السكان المعركة العظيمة آخر الأمر؛ نعم إن الهمجية ظلت كامنة في شرائع البلاد وفي دماء الأهلين. ولكن الثغرة التي كانت قائمة بين فوضى القرن الخامس القبيلة ونهضة القرن العاشر التي بعثها أتو اجتيزت آخر الأمر، وصارت ألمانيا فيما بين ٩٥٥ و ١٠٧٥ أكثر بلاد أوربا رخاء، لا يضارعها في هذه الناحية إلا شمالي إيطاليا التي أخذت القانون والنظام عن الملوك الألمان. وواصلت المدن الرومانية القديمة أمثال تريير، ومينز، وكولوني تقدمها، ونشأت مدن جديدة حول مراكز الأساقفة في اسبير، ومجدبرج، وورمز، وبدأنا حوالي عام ١٠٥٠ نسمع عن مدينة نورمبرج.
وكانت الكنيسة مربية ألمانيا والقائمة على إدارة شئونها في ذلك العصر؛ فقد افتتحت مدارس- أو بالأحرى كليات في أديرة فُلدا، وتجرنسي Tegernse، وريخنو Reichenau، وجندرسهايم Gandersheim وهلدسهايم Hildesheim، ولورسخ Lorsch. ولما عين ربانوس موروس Rabanus Maurus (٧٧٦. - ٨٥٦) رئيساً لدير فلدا العظيم في بروسيا بعد أن أتم دراسته تحت رعاية ألكوين في تور، ورفع مكانة مدرسة هذا الدير وأذاع شهرتها في جميع أنحاء أوربا حتى أضحت أما رؤوماً للعلماء ولاثنين وعشرين معهداً تنتسب إليها. وقد وسع مناهجها حتى شمل كثيراً من العلوم الطبيعية، وندد بالخرافات التي كانت تعزو الحوادث الطبيعية للقوى السحرية الخفية (٨٥). ونمت دار الكتب في فلدا حتى أضحت من كبريات المكتبات العامة في أوربا؛ وهي التي أخرجت لنا سوتونيوس Suetonius وناستوس، وأمنيانوس مارسلنوس Ammajanus Marcetlinus. وثمة رواية غير موثوق بصحتها تعزو وإلى ربانوس أنشودة "جئت يا خالق الأرواح Veni Creator Spiritns" التي تنشد وقت