أفسح مكاناً للدفاع الحار عن جريم ومدام دبينيه وعن نفسه ضد التهم التي رماهم بها روسو في قراءاته العلنية لاعترافاته، قال:
"إذا صدر يوماً ما، نتيجة جنوح المؤلف دائماً للأغراب والشذوذ، كتاب يمزق فيه الشرفاء إرباً بالقلم وغد خبيث … فانظروا إلى الأمام واسألوا أنفسكم هل … يجدر بنا لأن نصدق رجلاً وقحاً … اعترف بألف فعل شرير. فماذا يكلف الافتراء رجلاً كهذا-وماذا تضيف جريمة كثيراً أو قليلاً من الفساد الخلقي المستتر لمياه تتخفى طوال أكثر من خمسين عاماً وراء أصفق أقنعة الرياء؟ … فسحقاً للعاق الذي يذم من أحسنوا إليه؛ سحقاً للرجل الأثيم الذي لا يحجم عن تشويه سمعة أصدقائه القدامى؛ وسحقاً للجبان الذي يخلف فوق قبره كشف الأسرار التي أؤتمن عليها .. أما عن شخصي، فأقسم أن عيني لن تتلوثا أبداً بقراءة كتابه، وأني أؤكد أني أوثر أن يسبني عن أن يمدحني (١٠٠).
وفي ١٧٨٣ ماتت مدام دبينيه. وأحس ديدرو بهذه الخسارة إحساساً عميقاً، لأنه كان يستمع بصداقتها وندوتها. وكان جريم ودولباخ على قيد الحياة، ولكن علاقاته بهما كانت فاترة، وكان الثالثة ينحدرون إلى الأنانية الضيقة التي تصحب الشيخوخة، وكل ما كان في استطاعتهم تبادله من حديث كان آلامهم. أما تشكيلة الأمراض التي شكا منها ديدرو فكان منها التهاب الكلية والتهاب المعدة، وحصى المرارة، والتهاب الرئتين؛ ولم يعد في قدرته صعود السلم من مسكنه في الطابق الرابع إلى مكتبته في الطابق الخامس، وشعر الآن أنه محظوظ لأن له زوجة، وكان قد اختزل خياناته الزوجية إلى ذكريات حزينة، وأبلت هي حصيلتها من الكلام، وهكذا عاشا في سلام الإعياء المشترك.
وفي ١٧٨٤ مرض مرضاً خطيراً. وحاول كاهن سان-سولبيس الذي فشل من قبل مع فولتير أن يكفر عن تقصيره برد ديدرو إلى حظيرة الإيمان، فزاره، وتوسل إليه أن يرجع إلى الكنيسة، وأنذره بأنه ما لم يتناول الأسرار المقدسة فإنه لن يحظى بدفنه في جبانة عامة. فأجاب ديدرو،