فولتير وروسو حين كان سفيراً لدى فرنسا (١٧٨٥ - ٨٩)، وردد صدى جان- جاك في افتراضه أن هنود أمريكا الشمالية "يتمتعون في جملتهم بقدر من السعادة يفوق بمراحل أولئك الذين يعيشون في ظل الحكومات الأوربية"(٨٨). وقد رفع نجاح الثورة الأمريكية مكانة فلسفة روسو السياسية.
وتزعم مدام دستال أن نابليون عزا الثورة الفرنسية إلى روسو أكثر من أي كاتب آخر (٨٩). وقد ذهب إدمند بيرك إلى أن في الجمعية التأسيسية للثورة الفرنسية (١٧٨٩ - ٩١) خلافاً كبيراً بين زعمائهم على أيهم أقرب شبهاً بروسو. والحق أنهم جميعاً يشبهونه … فإياه يدرسون، وإياه يتأملون، وإليه يرجعون في كل الوقت الذي يستطيعون اقتناصه من شرورهم المجهدة نهاراً أو فجورهم وعربدتهم ليلاً. فروسو هو كاهن كتابهم المقدس … وله يقيمون أول تماثيلهم (٩٠).
وفي ١٧٩٩ استعاد ماليه دويان إلى الأذهان أن "روسو كان له قراء من الطبقتين الوسطى والدنيا أكثر مائة مرة مما لفولتير. فهو وحده الذي لقح الفرنسيين بعقيدة سيادة الشعب … ومن الصعب ذكر ثوري واحد لم ينتشي بهذه النظريات الفوضوية ولم يشتعل بغيرة تحقيقها … وقد سمعت مارا في ١٧٨٨ يقرأ "العقد الاجتماعي" ويعلق عليه في الشوارع العامة، فيقابله السامعون المتحمسون بالتصفيق" … (٩١).
واستشهد الخطباء في طول فرنسا وعرضها بأقوال روسو في التبشير بسيادة الشعب؛ وبعض الفضل في استطاعة الثورة أن تعيش عقداً من الزمان رغم خصومها وشططها راجع إلى الترحيب العارم الذي لقيته هذه العقيدة.
وقد اتصل تأثير روسو في السياسة طوال تقلبات الثورات والرجعية. وبسبب تناقضاته، وبسبب القوة والحماسة اللتين بشر بهذه التناقضات بهما، وجد فيه الفوضويون والاشتراكيون على السواء نبياً وقديساً؛ ذلك لأن كلتا