الدينية؛ على أن روبسبيير في إقتدائه بروسو أقلع عن هذه المحاولة لفشلها، والتمس قوة تأييد المعتقدات الدينية في صيانة النظام الأخلاقي والمضمون الاجتماعي. وأدان جماعة الفلاسفة لأنهم رفضوا الله وأبقوا على الملوك؛ أما روسو (في رأي روبسبيير) فقد ارتفع فوق هامات هؤلاء الجبناء، وهاجم جميع الملوك بشجاعة وجاهر بالدفاع عن الله والخلود (٨٦).
وفي ١٧٩٣ بلغ تراثا فوليتر وروسو المتنافسان مرحلة الحسم في الصراع بين جان- رينيه إيبير ومكمسليان روبسبيير. فأما إيبير، أحد قادة كومون باريس، فقد اتبع العقلانية الفولتيرية، وشجع انتهاك حرمات الكنائس، وأقام العبادة العلنية لآلاهة العقل (١٧٩٣). وأما روبسبيير فكان قد رأى روسو أثناء مقام هذا الفيلسوف آخر مرة في باريس. وقال مناجياً جان- جاك "إيه أيها القديس! .. لقد تطلعت إلى محياك المهيب … وفهمت كل أحزان حياة نبيلة كرست نفسها لعبادة الحق"(٨٧). وحين تقلد روبسبيير زمام السلطة أقنع المؤتمر الوطني بتبني "إعلان الإيمان" الذي دان به قسيس سافوا ديناً رسمياً للأمة الفرنسية، وفي مايو ١٧٩٤ افتتح مهرجان الكائن الأعظم إحياء لذكرى روسو. وحين أرسل إيبير وغيره إلى الجيلوتين بتهمة الإلحاد، شعر بأنه يتبع نصائح روسو بحذافيرها. ووافق نابليون اللاأدري روبسبيير على الحاجة إلى الدين، وأعاد وضع الحكومة الفرنسية في جانب الله (١٨٠٢). ثم أعيدت الكنيسة الكاثوليكية إعادة كاملة بعودة الملكية البوربونية الفرنسية (١٨١٤) وكسبت أقلام شاتوبريان، ودميتر، ولامارتين، ولامنية القوية، ولكن الإيمان القديم اتكأ الآن أكثر فأكثر على حقوق الوجدان لا على جح اللاهوت، فحارب فولتير وديدرو ببسكال وروسو. وازدهرت من جديد تلك المسيحية التي بدت محتضرة في ١٧٦٠ - في إنجلترا الفكتورية وفرنسا في عهد عودة الملكية.
ونحن الآن فقط- من الناحية السياسية- نخرج من عصر روسو، وأول علامة على تأثيره السياسي كانت في موجة التعاطف العام الذي أيد المعونة الفرنسية الفعالة للثورة الفرنسية. وقد اقتبس جفرسن إعلان الاستقلال من روسو كما اقتبسه من لوك ومونتسكيو، واستوعب الكثير من كل من