وما كان لحياة مطاردة على الأرض على هذا النحو، ونفوس مثبتة في السماء إلى هذا الحد، أن تسهم بقسط كبير في الأدب الدنيوي أو العلم أو الفلسفة. وكان اليهود في كل بلد تقريباً ممنوعين من الالتحاق بالجامعات بحكم القسم بالولاء للعقيدة المسيحية المشترط على جميع الطلاب. ثم أن ناموس موسى حرم عليهم ممارسة فن التصوير وبلد تذوقهم الفني. وإذ كانوا يكتبون بالعبرية التي لا تفهمها غير قلة قليلة، أو بالييدية التي لم تكن بعد قد أصبحت لغة أدبية، فقد افتقدوا الحافز لإنتاج أي أدب خلاف الشروح الدينية أو السفاسف الشعبية. وثمة إسهام بارز واحد أسهموا به الفنون العملية في هذا العصر: فقد اخترع يعقوب رودريج، بيرير، وهو أحد يهود بوردو، لغة إشارات للصم والبكم، فأثنى عليه ديدرو ودالامبير وروسو وبوفون. ثم شاعر يهودي واحد أنار هذه الظلمة.
وقد ولد الشاعر موسى حايم لونساتوا في إيطاليا (١٧٠٧) لوالدين أتاح لهما بعض اليسر أن يحسنا تعليمه. وقد أخذ عن الشعراء اللاتين، وعن الشعراء الإيطاليين من أمثال جواريني، براعة في الأوزان الشعرية مكنته من أن يسبغ على شعره العبري من الإيقاع المتدفق والسحر الرقيق ما لم يعرف في تلك اللغة منذ أيام يهوذا هاليفي. وحين بلغ السابعة عشرة كتب مسرحية عن شمشون والفلسطينيين. ثم أقبل على دراسة "الزهر"، وهو كتاب القبلانية المقدسة، فاقتن خياله بأوهامه الصوفية، فأدار بعضها شعراً، وأدارت هي رأسه فخيل إليه أنه ملهم من السماء. فكتب "زهراً" ثانياً، وأذاع أنه المسيح الذي وعد به اليهود. فحرمه حاخامات البندقية (١٧٣٤). ففر إلى فرانكفورت-على المين، حيث أجبروه الحاخامات على الوعد بالإقلاع عن أوهامه بأنه المسيح المنتظر. وانتقل إلى أمستردام حيث رحبت به الجالية اليهودية، وهناك كسب قوته كما كسبه سبينوزا بصقل العدسات، ثم استأنف دراساته القبلانية. وفي ١٧٤٣ ألف مسرحية عبرية "لا-ي أشاريم تهيللا (مجداً للأبرار) كان حظها التقريظ ممن كانوا أكفاء للحكم عليها، برغم التجريدات التي استخدمها شخوصاً للمسرحية.