وقد حصل الكثير من فقراء الطلاب على معونة حكومية أو أهلية لمواصلة التعليم الجامعي، وإنها لقصة مبهجة تلك التي روي فيها إكرامان كيف كان جيرانه الرحماء يمدون إليه يد المعونة في كل خطوة من خطى تطوره (٥٢). ولم يكن بين جماعة الطلاب تفرقة طبقية (٥٣). فكل خريج يسمح له بأن يحاضر تحت رعاية الجامعة مقابل أي رسم يستطيع جمعه من المستمعين، وقد بدأ كانط حياته المنهنية على هذا النحو؛ وكانت منافسة المعلمين الجدد لقداماهم تحفز هؤلاء على أن يكونوا مستعدين في كل لحظة. وقد حكمت مدام دستال على الجامعات الألمانية الأربع والعشرين بأنها "أرقى الجامعات علماً في أوربا. فليس في أي قطر، ولا حتى في إنجلترة، وسائل بهذه الكثرة للتعليم أو للارتقاء بقدرات الإنسان إلى الكمال … ومنذ عصر الإصلاح البروتستنتي تفوقت الجامعات البروتستنتية على الكاثوليكية تفوقاً لا جدال فيه، ويرتكز مجد ألمانيا الأدبي وفخرها على هذه المعاهد"(٥٤).
وانتشر الإصلاح التعليمي وشاع في الجو. فأصدر يوهان بازدوا-مستلهماً قراءته لروسو-في ١٧٧٤ كتاباً من أربعة مجلدات عنوانه "المبادئ" رسم مخططاً لتعليم الأطفال بطريق المعرفة المباشرة بالطبيعة؛ فيجب أن يكتسبوا الصحة والعافية بالألعاب والتمرينات الرياضية؛ وأن يتلقوا الكثير من تعليمهم في الهواء الطلق بدلاً من أن يلزموا مكاتبهم؛ وأن يتعلموا اللغات لا بالأجرومية والصم بل بتسمية الأشياء والأفعال التي يصادفونها في خبراتهم اليومية؛ وأن يتعلموا الأخلاق بتأليف جماعاتهم وتنظيمها؛ وأن يتهيأوا للحياة بتعلم حرفة ما. والدين يدخل في المنهج لا بالصورة القديمة الغالبة؛ وكان بازدو يتشكك في عقيدة التثليث جهاراً (٥٥) وأنشأ في دساو (١٧٧٤) معهداً خيرياً نموذجياً أخرج تلاميذ، صدمت الكبار "وقاحتهم، وسلاطتهم، وسعة علمهم وخيالهم"(٥٦)، ولكن هذا "التعليم التقدمي"، كان متسقاً مع حركة التنوير، فانتشر سريعاً في طول ألمانيا وعرضها.
وكانت التجارب في مضمار التعليم جزءاً من الاختمار الفكري الذي