وشأنه في هذا شأن الصور الجدارية، والفسيفساء والزجاج الملون. فكانت مهمة المثال الأولى هي تجميل بيت الله بالتماثيل والنقوش البارزة، وكانت مهمته الثانية هي صنع الصور والتماثيل الدينية لبث روح التقي في البيت، فإذا بقي بعد ذلك وقت ومال كان في وسعه أن ينحت تماثيل لأشخاص دنيويين، أو يزين أشياء لا تمت بصلة إلى الدين. وكانت المادة المفضلة في النحت الخاص بالكنيسة هي التي تتسم بالبقاء كالحجر، والرخام، والمرمر، والبرنز، أما التماثيل فكانت الكنيسة تفضل أن تصنعها من الخشب، ذلك بأن هذه التماثيل يستطيع حملها من غير مشقة المسيحيون السائرون في المواكب الدينية. وكانت التماثيل تلون كما كان يحدث في الفن الديني القديم، وكانت في أكثر الأحيان واقعية أكثر منها مثالية، تهدف إلى أن يشعر العابد بالنظر إلى صورة القديس أنه بين يديه، وقد بلغ من نجاح المثالين في بلوغ هذه الغاية أن كان المسيحي، كما كان العابد في الأديان القديمة، ينتظر أن يصنع التمثال نفسه المعجزات، وقلما كان يخامره الشك إذا سمع أن ذراع المسيح المصنوعة من المرمر قد تحركت لتبارك إنساناً، أو أن ثدي عذراء من الخشب قد در اللبن.
وخليق بكل من يدرس فن النحت في العصور الوسطى أن يستشعر الندم حين يبدأ هذه الدراسة. ذلك أن قسماً كبيراً من آثاره دمرها المتطهرون المتعصبون في إنجلترا، وكان البرلمان في بعض الأحيان هو الآمر بهذا التدمير، كما دمر الكثير من هذه الآثار في فرنسا أثناء الإرهاب الذي تعرض له الفن أيام الثورة. وكان ذلك العمل الرجعي في إنجلترا موجهاً إلى ما بدا لمحطمي الصور الجدد أنه زخرفة وثنية للأضرحة المسيحية، أما في فرنسا فكان يهدف إلى مهاجمة قبور الأسراف المكروهين وما لديهم من مجموعات فنية ودمى. ولهذا نجد في جميع أنحاء البلدين تماثيل بلا رؤوس، وأنوفاً مكسورة، وتوابيت مهشمة، ونقوشاً بارزة، وطنفاً، وتيجان عمد محطمة. ذلك أن ثورة جامحة من الحقد الدفين