الذي ظل يغلي زمناً طويلاً في الصدور على الاستبداد الكنسي والإقطاعي قد انفجر مرجلها آخر الأمر في صورة تخريب شيطاني لهذه الآثار - وكأن الزمن وأتباعه من العناصر الجوية قد أجمعت أمرها في ثورة من التدمير، فاكتسحت ظاهر التماثيل، وأذابت الحجارة، ومحت النقوش، وشنت على أعمال الإنسان حرباً باردة صامتة، لم تتخللها قط هدنة، وشن الإنسان نفسه على هذه الآثار ألف حرب وسعى فيها إل النصر بالتنافس في التدمير، فكان من أثر ذلك أننا لا نعرف النحت في العصور الوسطى إلا من حطامه.
وإذا نظرنا إلى عناصره المتناثرة في المتاحف، أضفنا إلى الأذى سوء الفهم. ذلك أن الفن الذي تمثله هذه العناصر لم يكن يقصد به أن ينظر إليه متفرقاً على هذه الصورة، فقد كان في أصله جزءاً لا يتجزأ من موضوع ديني، وكان صرحاً معمارياً كاملاً، ولهذا فإن ما قد يبدو لنا فجاً قبيحاً وهو بمفرده، قد يكون موائماً أحسن موائمة لما يحيط به من الحجارة. لقد كان التمثال القائم في الكنيسة الكبرى عنصراً في مجموعة، موضوعاً في المكان اللائق به، وكأنه يستطيل ليطاول علو الكنيسة الشامخ. فقد كانت الساقان متلاصقتين، والذراعان ملتصقتين بالجسم، وكان تمثال القديس في بعض الأحيان يدق ويمتد حتى يصل إلى أعلى قائمة كتف الباب. وكان المثال يهدف في أحيان قليلة إلى تقوية الأثر الأفقي لا الرأسي في نفس المشاهد، فكان يجعل التماثيل المقامة فوق الأبواب بدينة مفلطحة، كالتي نشاهدها فوق مدخل تشارتر، أو كان رجل أو حيوان يحشر في تاج عمود كما كان يحسر الإله اليوناني في قوصرة الباب أو الشباك، وبهذا انصهر فن النحت القوطي فأصبح جزاءً لا يتجزأ من فن العمارة الذي يزينه.
وكان خضوع النحت للعمارة في طرازها وهدفها الذي يمتاز به فن القرن الثاني عشر بنوع خاص، ثم شهد القرن الثالث عشر ثورة جامحة من