جانب المثال فخرج وقتئذ من النزعة التشكيلية إلى الواقعية، ومن الصلاح إلى الفكاهة والهجاء وتذوق الحياة الأرضية. فبينا نرى تماثيل القرن الثاني عشر الموجود في تشارتر مكتئبة جامدة، إذ نرى تماثيل القرن الثالث عشر في ريمس وقد فاجأها المثال أثناء حديثها الطبيعي أو عملها التلقائي. فمعارفها فردية وفي وضعها رشاقة ملحوظة، وإن كثيراً من هذه التماثيل القائمة في كنائس تشارتر وريمس لتشبه الفلاحين الملتحين الذين لا نزال نلتقي بهم في القرى الفرنسية، وتمثال الراعي الذي يدفئ نفسه بالنار والقائم فوق باب أمين Amiens الغربي قد يكون له نظير في حقل بنومندية أو جسبية Gaspe في هذه الأيام. وليس في التاريخ كله نحت يضارع النقوش القوطية الكنسية في واقعيتها الغريبة. ففي رون نجد تمثال فيلسوف مفكر له رأس خنزير محشوراً في أزهار من ذوات الورقات الأربع، وطبيباً نصفه آدمي والنصف الآخر إوزة، يدرس أنبوبة مليئة بالبول، ومعلم موسيقى نصفه آدمي ونصفه ديك يلقي درساً عل عضو غنطروس، ورجلاً أحاله ساحر كلباً، وظلت قدماه تلبسان حذائيه (٢١) وهناك صورة صغيرة مضحكة جاثمة تحت التماثيل في تشارتر، وأمين، وريمس. وفي كنيسة استرسبرج تاج عمود أعيد إلى وضعه الأول منذ قليل يمثل دفن رينرد الثعلب، Reynard the Fox يحمل نعشه خنزير وجدي، ويحمل الصليب ذئب، وينير الطريق أرنب بشمعة، ويرش دب الماء المقدس، وينشد القداس وعلٌ، ويتلو حمار صلاة الجنازة من كتاب مستند إلى رأس قطة (٢٢). وفي كنيسة بفرلي Beverley ثعلب على رأسه قلنسوة راهب يرتقي منبراً ويعظ طائفة من الإوز التقية المتدينة (٢٣).
وتمثل الكنائس فيما تمثله حدائق حيوانات من الحجارة، تكاد تجمع كل ما عرفه الإنسان من الحيوان، وإن كثيراً من الحيوانات التي لم تمر إلا بمخيلة رجال العصور الوسطى لتجد لها مكاناً في هذه المجموعات الضخمة التي لا تحصى