الناس قرناً من الزمان يحتربون ويسفكون الدماء لكي يكونوا أحراراً يعتقدون ما يشاءون ويعبدون كما يحبون، أو كما يشاء ويحب لهم ملوكهم؛ وبدا أن صوت العقل قد خفت تحت أسنة الجهاد الديني، لكن هذا الصوت لم يسكن كل السكون، فإن رجالا من أمثال إرزمس، وبيكن، وديكارت ظلوا في خلال هذا الدمار المفجع يرددون هذا الصوت في شجاعة، ويرفعون به عقيرتهم من جديد وفي قوة متزايدة؛ وصاغه اسبونزا صياغة جديدة فخمة رائعة، فلما أقبل القرن الثامن عشر ولدت روح النهضة الإيطالية مرة أخرى في عصر الاستنارة الفرنسي. وظل هذا اللحن يتردد من فلتير وجبن Gibbon إلى جوته وهين Heine، إلى هوجو وفلوبير، إلى تين وأناطول فرانس خلال الثورات والثورات المضادة، والتقدم والرجعية، يبقى بعد الحرب بريقة ما، ويرفع في أناة من مكانة السلم وشأنها. وإنا لنجد اليوم في كل مكان في أوربا والأمريكيتين، أرواحاً متحضرة قوية- متزاملة متآلفة في بلد العقل- تتغذى وتعيش على ذلك التراث، تراث حرية العقل، والإحساس بالجمال، والتفاهم المتسم بالتواد والتعاطف، أرواحاً تعفو عن مآسي الحياة، وتستمتع بمباهج الحواس، العقل والروح، ويستمعون بقلوبهم على الدوام أغاني النهضة العذبة وسط أناشيد الحقد، وأعلى من جلجلة المدافع.