للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقد كانت الحرب اليونانية الفارسية أهم حوادث الصراع في تاريخ أوربا، ولولاها لما قامت لأوربا قائمة. فهي التي أتاحت للحضارة الأوربية الفرصة التي أمكنتها من أن تثبت قواعد حياتها الاقتصادية لا تبهظ كاهلها جزية أو ضرائب أجنبية، وأن تنمي نظمها السياسية، محررة من سيطرة ملوك الشرق. وبفضلها شقت بلاد اليونان لنفسها الطريق لأولى التجارب العظيمة في الحرية، وحفظت العقل اليوناني ثلاثمائة عام كاملة من تصوف الشرق الموهن ومذاهبه الباطنية، وضمنت للمغامرات اليونانية حرية البحار. ونهض الأسطول الأثنيني أو جزؤه الذي بقى بعد معركة سلاميس ففتح جميع مرافئ البحر الأبيض المتوسط للتجارة اليونانية؛ وهذا التوسع التجاري الذي أصبح بهذه الطريقة ميسراً مأموناً، أمد أثينة بالثروة التي أمكنتها من أن تتفرغ لنشاطها الثقافي في عصر بركليز. يضاف إلى هذا أن انتصار هيلاس الصغيرة على جيوش الفرس الجرارة قد بعث العزة في نفس أهلها وسما بروحهم المعنوية، فأحسوا بأن الداعي يدعوهم للقيام بجلائل الأعمال اعترافاً منهم بالنعمة التي أنعم عليهم بها. وهكذا دخلت اليونان بعد مئات السنين من الاستعداد والتضحية في عصرها الذهبي المجيد.