منهم في أسرهم، وقصروا جهودهم على شؤونهم الخاصة؛ وأصبح المواطنون ذرات، وأخذ المجتمع يتمزق من داخله إرباً في الوقت الذي لاح فيه أن الوحدة على أتم ما تكون. وخاب رجاء الناس في الملكية، كما خاب رجاؤهم من قبل في الدمقراطية، وكثيراً ما كانت "أفكار" أورليوس "الذهبية" أفكاراً من الرصاص، يزيدها ثقلاً ظنه أن مشاكل رومة مستعصية على الحل، وأن البرابرة الذين يتضاعف عددهم بلا انقطاع لن تستطيع سلالة عظيمة جانحة إلى السلم أن تصمد لهم زمناً طويلاً. وأخذت الرواقية، التي بدأت عهدها بالدعوة إلى القوة، تدعو الآن إلى الاستسلام للمقادير، وعقد الفلاسفة كلهم تقريباً الصلح مع الدين. وبعد أن ظلت الطبقات العليا أربعمائة عام تتخذ الرواقية بديلاً من الدين، أطرحت هذه الطبقات الآن ذلك البديل، وأدارت الفئة الحاكمة ظهرها إلى الفلاسفة وولت وجهها شطر مذابح الآلهة. على أن الوثنية هي الأخرى كانت تلفظ آخر أنفاسها. فقد كانت كإيطاليا تنتعش بفضل المعونة الحكومية، فلما امتنعت عنها هذه المعونة أوشكت قواها أن تخور؛ لقد غلبت هي الفلسفة، ولكن أرباضها أخذت قبل ذلك العهد تستمع في خشوع إلى أسماء الآلهة الغازية. وكان هذا العصر عصر البعث للولايات والنصر المؤزر الذي يتجاوز حدود العقل للمسيحية.