رفيعاً تجعله نصب عينيها. وقد عمل أكثر مما عمله غيره من البابوات لحماية بقايا الآداب الرومانية القديمة، وشجع الكتاب على محاكاتها. وقد ارتضى متع الحياة الوثنية، ولكنه بقي في مسلكه الخاص عفيفاً في عصر أطلق لشهواته العنان. وساعد بفضل تأييده للكتاب الإنسانيين في روما على غرس بذور الآداب والأشكال القديمة في فرنسا، وأصبحت روما برعايته قلب الثقافة الأوربية النابض، يهرع إليها الفنانون ليصوروا، أو يحفروا، أو يشيدوا؛ والعلماء ليدرسوا؛ والشعراء لينشدوا؛ والفكهون ليتلألأوا؛ وفي ذلك يقول إزرمس:"عليّ قبل أن أنساك يا روما أن أغرق في نهر النسيان (١) ألا ما أعظم ما فيك من حرية ثمينة، وما حوته خزائنك من كتب قيمة، وما أغزر ما في صدور علمائك من معارف، وما فيك من صلات اجتماعية نافعة! وهل يستطيع الإنسان أن يجد في غيرك من المدائن مثل ما يجده فيك من مجتمع أدبي راق، أو تعدد في المواهب مجتمعة كلها في مكان واحد؟ "(١٠٥). وأنى يستطيع الإنسان أن يجد مرة أخرى وفي مدينة واحدة وفي عقد من السنين، مثل هذا الحشد العظيم من الأعلام: كستجليوني الظريف، وبمبو المهذب، ولسكارس العالم، والراهب جيوكندو، ورفائيل؛ وآل سانسو فيتي، وسنجلي، وسبستيانو وميكل أنجيلو.
(١) نهر في الجحيم في الأساطير اليونانية القديمة. (المترجم)