إلى درجة من القوة لم تشهدها من قبل، ولكنه خسر ألمانيا بتبذيره وتشدده في جمع المال. وكان في وسعه أن يشاهد جمال وعاء من أوعية الزهر، ولكنه لا يستطيع رؤية الإصلاح الديني البروتستنتي يتشكل وراء الألب، وأصم أذنه عن سماع مئات النذر التي كانت ترسل إليه، بل ظل يطلب المزيد من الذهب من أمة ثائرة عليه، فكان بذلك سبب مجد الكنيسة ونكبتها معاً.
وكان أكرم أنصار العلم والأدب، ولكنه لم يكن أكثرهم استنارة، ولم يزدهر قط أدب عظيم في أيامه رغم سخائه على الأدباء. فقد كان أريستو ومكيفلي فوق مداركه وإن كان في وسعه أن يقدر بمبو Bembo وبولتيان. ولم يكن تذوقه للفن سامياً أكيداً كما كان تذوق يوليوس له؛ ولم يكن هو الذي ندين له بكنيسة القديس بطرس أو بمدرسة أثينة. وكان مسرفاً في حبه جمال الشكل مقلاً في إدراك المعاني التي يكشف عنها الفن العظيم الذي يغشى الشكل الجميل. وقد أنهك رفائيل بكثرة العمل، وكان سبباً في انهيار صحة ليوناردو، ولم يستطع كما استطاع يوليوس، أن يجد سبيله إلى عبقرية ميكل انجيلو بعد أن يجتاز إليها مزاج هذا الفنان الحاد. وكان مفرطاً في حب النعيم إفراطاً يحول بينه وبين العظمة. ويؤسفنا أن يكون هذا هو حكمنا عليه لأنه كان خليقاً بحبنا.
وسُمي العصر الذي كان يعيش فيه باسمه، ولعله كان خليقاً بأن يسمى به؛ ذلك بأنه وإن طبع بطابع العصر ولم يطبع العصر نفسه بطابعه، كان هو الذي جاء من فلورنس إلى روما بما خلفه آل ميديتشي من الثروة وحسن الذوق، وما شاهده في بيت أبيه من مناصرة للعلم والأدب والفن خليقة بالملوك والمراء؛ وبفضل هذه الثروة والرعاية البابوية وجد الحافز القوي الذي رفع الدب والفن إلى ما بلغاه من جمال الأسلوب والشكل. وكان هو مثلاً احتذاه غيره من الرجال، فأخذوا يبحثون عن المواهب ويمدونها بالعون، ويضربون بدورهم لأوربا الشمالية مثلاً في تقدير القيم العالية ومستوى