للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنجليزية بمبلغ ١٥٠.٠٠٠ فرنك. واستخدم بعض هذا المال ليعين عدة فرنسيين في إنجلترا (٩١)، أما الباقي فقد استثمره بغاية الحكمة، حتى لقد حكم بعد ذلك على هذا الربح الذي لم يتوقعه بأنه الأصل في ثرائه. ولم يكف قط عن عرفانه بصنيع إنجلترا.

لقد دان لها قبل كل شيء بحفز هائل لذهنه وإنضاج لفكره. فلما عاد من منفاه جلب معه كتب نيوتن ولوك في حقائبه. وأنفق جزءاً من سنيه العشرين التالية في تعريف فرنسا بهما. كذلك جلب معه كتب الربوبيين الإنجليز، الذين زودوه ببعض الذخيرة التي سيستعملها في الحرب على "العار". وكما أن إنجلترا على عهد تشارلز الثاني تعلمت الخير والشر من فرنسة لويس الرابع عشر، فكذلك ستتعلم فرنسة لويس الخامس عشر من إنجلترا الأعوام ١٦٨٠ - ١٧٦١. ولم يكن فولتير وسيط التبادل الأوحد في هذا الجيل؛ فإن مونتسكيو، وموبورتوي، وبريفوست، وبوفون، ورينال، وموريلليه، وليلاند، وهلفتيوس، وروسو-هؤلاء أيضاً أتوا إلى إنجلترا، والذين لم يأتوا تعلموا من الإنجليزية ما يكفي لجعلهم حملة للأفكار الإنجليزية. وقد أجمل فولتير في تاريخ لاحق هذا الدين في رسالة بعث بها إلى هلفتيوس. قال:

"لقد استعرنا من الإنجليز المرتبات السنوية، وأموال استهلاك الديون، وبناء السفن وتسييرها، وقوانين الجاذبية، … والألوان الأساسية السبعة، والتطعيم، وسنكتب منهم، دون إدراك منا، حرية تفكيرهم الرفيعة، واحتقارهم العميق لتفاهة المعلومات التي تعطيها المدارس (٩٢) ".

ومع ذلك شعر بالحنين إلى فرنسا. لقد أشبهت إنجلترا الجعة، أما فرنسا فلها مذاق النبيذ في فمه. والتمس المرة بعد المرة أن يؤذن له في العودة. ويبدو أنه منح الأذن بشرط معتدل هو أن يجتنب باريس أربعين يوماً. ولا علم لنا متى غادر إنجلترا، وأغلب الظن أن هذا كان في خريف ١٧٢٨، وفي مارس ١٧٢٩ كان في سان-جرمان-أن-ليه؛ وفي ٩ أبريل كان في باريس، رجلاً هذبته المحن ومحصته دون أن تقضي عليه، جياشاً بالأفكار، متلهفاً على تغيير هذه الدنيا وتبديلها.