للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جعل المؤرخين المسيحيين يعجبون كيف يخلق الدين الإسلامي "الخاطئ" في ظنهم رجلاً يصل في العظمة إلى هذا الحد. وكان يعامل خدمه أرق معاملة، ويستمع بنفسه إلى مطالب الشعب جميعها، وكانت قيمة المال عنده لا تزيد على قيمة التراب. ولم يترك في خزانته الخاصة بعد موته إلا ديناراً واحداً (٤٠)؛ وقد ترك لابنه قبل موته بزمن قليل وصية لا تسمو فوقها أية فلسفة مسيحية (١):

"أوصيك بتقوى الله تعالى فإنها رأس كل خير؛ وآمرك بما أمر الله به فإنه سبب نجاتك؛ وأحذرك من الدماء والدخول فيها والتقلد بها فإن الدم لا ينام؛ وأوصيك بحفظ قلوب الرعية والنظر في أحوالهم، فأنت أميني وأمين الله عليهم؛ وأوصيك بحفظ قلوب الأمراء وأرباب الدولة والأكابر. فما بلغت ما بلغت إلا بمداراة الناس؛ ولا تحقد على أحد، فإن الموت لا يبقى على أحد؛ وأحذر ما بينك وبين الناس فإنه لا يغفر إلا برضاهم، وما بينك وبين الله يغفره اله بتوبتك إليه فإنه كريم (٢) ".

ومات في عام ١١٩٣ ولم يتجاوز سنه الخامسة والخمسين.


(١) الحق أن عظمة صلاح الدين منشؤها استمساكه بأوامر دينه واتصافه بفضائل هذا الدين. المترجم
(٢) نقل المؤلف الترجمة الإنجليزية لهذه الوصية عن كتاب "صلاح الدين" لاستانلي لين بول ونقلناها نحن عن سيرة صلاح الدين المعروفة باسم "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية" تأليف القاضي بهاء الدين المعروف بابن شداد المتوفي سنة ٦٣٢ هـ. المترجم