ما نصنعه نحن الآن، وهو أنهم كتبوا أفكاراً سريعة الزوال على نسيج سريع الفناء، ومات كل ما قد ظنوا به الخلود؛ إن النقوش البارزة الرائعة تصور الرجال والنساء وقد لبسوا غلالات وشباكاً ليتقوا البعوض والزواحف الثعبانية الملمس، أما الرجال والنساء فقد انحدروا إلى فناء، لا يخلدون إلا على الصخور وأما البعوض والضَّباب فما تزال باقية.
وعلى مقربة من تلك البلاد تقع سيام التي أخذ شعبها - ونصفه من التبت ونصفه الأخر من الصين - بطرد الخمارسة الفاتحين شيئاً فشيئاً وارتقى بمدينة قائمة على أساس من الديانة الهندية والفن الهندي، وبعد أن تغلبت سيام على "كمبوديا" بنى أهلها لأنفسهم عاصمة جديدة، هي "أيوذيا" على نفس الموقع الذي كانت تقوم عليه مدينة الخمارسة القديمة؛ ومن هذا المركز وسعوا من نطاق نفوذهم حتى إذا ما دنا التاريخ من عام ١٦٠٠، كانت إمبراطوريتهم تشمل جنوبي بورما وكمبوديا وشبه جزيرة الملايو؛ ووصلت تجارتهم إلى الصين شرقاً وإلى أوربا غرباً، وقام فنانوهم بزخرفة المخطوطات، والرسم على الخشب بدهان "اللُّكْ" وإحراق الخزف على نحو ما يفعل الصينيون، والوشي على القماش الحريري الجميل، وكانوا أحياناً ينحتون تماثيل من الطراز الأول (١)؛ ودار التاريخ دورته التي لا يصدر فيها عن هوى، وإذا بأهل بورما يستولون على "أيوذيا" ويخربونها بكل ما فيها من فنون؛ فابتنى السياميون في عاصمتهم الجديدة "بنكوك" معبداً عظيماً، فيه إسراف في الزخرفة، لكنه على كل حال إسراف لا يخفي جمال تصميمه إخفاء تاماً.
كان أهل بورما من أعظم من شهدت آسيا من بناة للعمارة؛ فقد جاءوا
(١) مثال ذلك تمثال بوذا الحجري المدهون باللك وهو في متحف الفنون الجميلة في "بوسطن".