تلطخه بقع شديدة الحمرة "كأنه توت منثور عليه دقيق (١٧) ". لكن هذه الملامح كانت تخفي وراءها تعليماً راقياً، فقد كان يتقن الآداب اليونانية والرومانية، وكان مولعاً بجمع روائع الفن، دقيقاً في اختيارها (مستعيناً على ذلك في العادة بالوسائل العسكرية). وأمر أن تحمل له من أثينا مؤلفات أرسطوطاليس، واختص بها نفسه لتكون جزءاً من أثمن غنائمه، ووجد خلال أيام الحرب والثورة من الوقت ما استطاع فيه أن يكتب مذكراته ليضل بها الناس من بعده. وكان رقيقاً مرحاً لطيفاً، وصديقاً كريماً، يدمن الخمر، ويشتهي النساء، ويولع بالحرب، ويطرب للغناء؛ ويقول عنه سلست Sallust إنه "كان يعيش عيشة البذخ، ولكن ملذاته لم تحل قط بينه وبين أداء واجباته؛ إذا استثنينا من ذلك التعميم أنه كان في وسعه أن يجعل سلوكه مع زوجته أشرف مما كان (١٨) ". وسلك الرجل طريقه إلى المجد سلوكاً سريعاً، وخاصة في الجيش وسيلته الموفقة إلى أغراضه. وكان يعامل جنوده معاملة الزميل لزميله، يشترك معهم في أعمالهم وفي سيرهم، ويتعرض لما يتعرضون له من الأخطار؛ "وكان همه الوحيد ألا يسمح لإنسان ما أن يفوقه في حكمته وشجاعته (١٩) ". ولم يكن يؤمن بآلهة الرومان، ولكنه يؤمن بالخرافات. وفيما عدا هذا كان الرجل من أكثر الرومان واقعية كما كان أشدهم قسوة، خياله ومشاعره خاضعة لسلطان عقله. ومما قيل عنه أنه كان نصف أسد ونصف ثعلب، وأن الثعلب فيه كان أشد خطراً من الأسد (٢٠). قضى نصف أيامه في ميادين القتال، وقضى العشر السنين الأخيرة منها في الحروب الأهلية، ولكنه رغم هذا ظل محتفظاً بفكاهته ومرحه إلى آخر أيام حياته، يوشى قسوته ووحشيته بكتابة المقطوعات الشعرية الفكاهية، ويملأ رومه ضحكاً، خلق لنفسه مائة ألف عدو ومات في فراشه.
وكان يلوح أن هذا الرجل الذي يتألف من مزيج كيميائي من الفضائل والرذائل هو الذي تحتاجه البلاد لقمع الثورة في الداخل والقضاء على مثرداتس في الخارج. وكان من السهل على رجاله المدربين البالغ عددهم ٣٥. ٠٠٠ أن