وإنه، لأول وهلة، عالم نفساني، أكثر منه فيلسوف، ولكنه كذلك ليس نظرياً، بل على الأرجح، مصور فكري عقلي، يضع يده على الأفكار الخفية والأفعال العرضية التي تكشف عن طبيعة الإنسان. ومهما يكن من أمر، فانه ليس واقعياً سطحياً، فان الأشياء لا تقع، والناس لا يتكلمون، وفي الحياة، كما يحدث في رواياته، ولكننا في النهاية نحس من خلال هذه الأشياء البعيدة الاحتمال وهذه المغالاة. أننا نقترب من لب الإنسانية والفكر الإنساني، وإن شكسبير ليعلن جيداً، مثل شوبنهور "أن العقل يقود الإرادة (٦٠) وانه ليعتنق مذهب فرويد اعتناقاً كاملاً، حين يورد قصائد الجنس على لسان العذارى، لسان أوفيليا المخبولة التي تتضور جوعاً، ويذهب فيما وراء فرويد إلى دوستوفسكي في دراسة ماكبث ونصفه "الرديء" (زوجته).
وإذا فسرنا الفلسفة، لا على أنها علم ما وزراء الطبيعة- الميتافيزيقيا، بل على أنها رسم متطور لأحوال الإنسان، أو نظرة تعميمية، لا للكون والعقل وحدهما، بل للأخلاق والسياسة والتاريخ والعقيدة كذلك- نقول إذا فسرنا الفلسفة على هذا الأساس، لكان شكسبير فيلسوفاً أعمق من بيكون، مثلما أن مونتاني أعمق من ديكارت، فليس الشكل هو الذي يصنع الفلسفة. إنه ليقر النسبية في الأخلاق "ليس ثمة شيء حسن أو رديء، ولكن التفكير هو الذي يجعله كذلك (٦١)". "وإن فضائلنا لتخضع لتفسير الزمن (٦٢). وأنه ليحس بلغز مذهب الجبرية (القضاء والقدر) المحير في أن بعض الناس أشرار بالوراثة "على حين أنهم غير مذنبين، طالما أن الأخلاق لا تستطيع أن تختار أصلها أو منشأها (٦٣) ". وإنه ليعرف نظرية ثراسيماخوس (فيلسوف سفسطائي إغريقي في القرن الخامس ق. م.) في الأخلاق: فيعتقد ريتشارد الثالث أن "الضمير ليس إلا كلمة يستخدمها، الجبناء ابتكرت، أول ما ابتكرت، لتلقي الرعب في قلوب الأقوياء، فلتكن سواعدنا المفتولة هي ضميرنا، ولتكن أسيافنا قانونا (٦٤) ". أما ريتشارد الثاني فيقرر "أن أجدر الناس بالتملك هم أولئك الذين يعرفون أقوى السبل وأكثرها ضماناً للكسب (٦٥) ". ولكن هذين الشخصين الذين اتبعا نيتشه باءا بخاتمة محزنة. ويلحظ شكسبير،