برسالة تهنئة للجمعية الوطنية في باريس، معربة عن الأمل في أن "المثل العظيم الذي ضربته فرنسا" قد "يشجع أمماً أخرى على توكيد الحقوق الثابتة لبني الإنسان"(١٤٠) ووقع الرسالة ايرل ستانهوب الثالث، رئيس الجمعية ونسيب وليم بت.
وأثارت العظة والرسالة مخاوف بيرك وغضبه. وكان ناهز الستين ووصل إلى حقه في أن يكون محافظ النزعة. وكان رجلاً متديناً يملك ضيعة كبيرة. لذلك لن ير في الثورة الفرنسية "أدهش ثورة وقعت في العالم إلى يومنا هذا"(١٤١) فحسب، بل أعتى عدوان على الدين والملكية والنظام والقانون. وفي ٩ فبراير ١٧٩٠ أخبر مجلس العموم أن لو حدث أن أي صديق له وافق على أي إجراءات من شأنها أن تدخل إلى إنجلترا ديموقراطية كتلك التي تتشكل في فرنسا، لأنكر صداقته مهما طال رسوخها وعزت مكانتها. وهدأ فوكس الخطيب بإطرائه المشهور لبيرك كأفضل معلم له. وتأجلت القطيعة بينهما حيناً.
وفي نوفمبر ١٧٩٠ نشر بيرك "تأملات في الثورة الفرنسية" على شكل رسالة (بلغ طولها ٣٦٥ صفحة) إلى "سيد في باريس" وأصبح بيرك الآن بطل إنجلترا المحافظة، وهو الذي كان قد تزعم الأحرار خلال الثورة الأمريكية؛ وأعرب جورج الثالث عن ابتهاجه بخصمه القديم. وغدا الكتاب إنجيل الملوك والأرستقراطيات فبعثت كاترين الكبرى، التي كانت يوماً ما صديقة جماعة الفلاسفة وحبيبتهم، تهنئاتها للرجل الذي كان قد نوى خلعهم عن عروشهم. (١٤٢).
وقد استهل بيرك كتابه بالإشارة إلى الدكتور برايس وجمعية إحياء ذكرى الثورة. ثم تأسف أسفاً شديداً على دخول رجال الدين حلبة المناقشات السياسية، وقال إن مهمتهم إرشاد النفوس إلى المحبة المسيحية لا إلى الإصلاح السياسي، وأنه لا يثق بحق تصويت الذكور العام الذي يدافع عنه برايس، فرأيه أن الأغلبية ستكون أشد طغياناً من الملوك، وأن الديموقراطية ستنحط إلى حكم الغوغاء، فالحكمة ليست في الكثرة بل في الخبرة. والطبيعة