للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تعرف شيئاً عن المساواة، وما المساواة السياسية إلا أكذوبة بشعة لا يسفر بثها الأفكار الكاذبة والتطلعات الباطلة في رجال كتب عليهم السير في المسالك المجهولة للحياة الشاقة إلا عن تفاقم عدم المساواة الحقيقي، الذي لن تقوى إطلاقاً إلى إزالته" (١٤٣). والأرستقراطية لا محيص عنها، كلما أعرقت أجادت أداء وظيفتها، وهي أن توطد في صمت ذلك النظام الاجتماعي الذي بدونه يستحيل الاستقرار والأمان والحرية (١٤٤). والملكية الوراثية نظام حسن لأنها تهب الحكومة وحدة واستمراراً بدونهما تتردى علاقات المواطنين القانونية والاجتماعية في سيل محموم مضطرب. والدين حسن لأنع يعين على كبح تلك الدوافع غير الاجتماعية التي تستعر كأنها النار من تحت سطح الحضارة، والتي لا سبيل إلى ضبطها إلا بالتعاون المتواصل بين الدولة والكنيسة، وبين القانون والعقيدة، وبؤين الخوف والاحترام. وأولئك الفلاسفة الفرنسيون الذين قوضوا الإيمان الديني بين صفوف شعبهم المتعلمة إنما يحلون بحماقة تلك اللجم التي حالت بين الرجال وبين أن يصبحوا وحوشاً.

وقد أسخط بيرك انتصار الغوغاء في فرساي على "ملك معتدل شرعي" وعلى معاملته "بضراوة وعدوان وإهانة فاقت أي شيء" ثار به شعب على أشد المغتصبين على القانون وأكثر الطغاة تعطشاً للدماء (١٤٥). وهنا تقع الصفحة الشهيرة التي إنتشينا لها في شبابنا:

"لقد مضت الآن ستة أة سبعة عشر عاماً منذ رأيت ملكة فرنسا في فرساي وكانت يومها زوجة ولي العهد، والحق أنه ما من منظر أبهج من هذا حط على هذا الكوكب الذي بدت وكأنها لا تمسه إلا مساً رفيقاً. لقد رأيتها فوق الأفق بقليل، تجمل وتبهج الدائرة الراقية التي همت بالتحرك فيها-ساطعة كنجمة الصبح، فياضة بالحياء، والبهاء، والفرح. أية ثورة تلك! وأي قلب يجب أن تضمه جوانحي حتى أتأمل دون انفعال ذلك السمو وذلك السقوط! (١) لم يخطر ببالي يوم كانت تجمع بين ألقاب التبجيل وألقاب


(١) يعني إكراه الغوغاء في فرساي لويس السادس عشر وماري أنطوانيت على العودة معهم إلى باريس والسكنى في قصر التويلري تحت رقابة الشعب (٥ - ٦ أكتوبر ١٧٨٩).